عقوبات متشعّبة يواجهها المقدسيون منذ اندلاع الحرب
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة -
منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انطلقت حملة انتقام إسرائيلية جماعية من المقدسيين وخاصة النشطاء منهم والأسرى المحررين، عبر سلب كثير منهم حريتهم والاعتداء عليهم بالضرب المبرح ثم الإفراج عنهم بشروط أو تحويلهم للسجن الفعلي بتهمة "التحريض".
ومع مرور الوقت، ظهرت أشكال أخرى من الانتقام في المدينة المقدسة، فنُبشت ملفات قديمة لكثير من المقدسيين، وعوقبوا بأثر رجعي عليها، وفُتحت لهم ملفات جديدة في دوائر رسمية مختلفة ووجد الكثير من النشطاء أنفسهم غارقين في بحر من الديون والمتاهات.
وتوجهت الجزيرة نت إلى بلدة الطور للقاء الناشطتين المقدسيتين فاطمة خضر (67 عاما) ووفاء أبو جمعة (57 عاما) والاستماع لغيض من فيض من أشكال الملاحقة والانتقام التي نالتاها من سلطات الاحتلال خاصة بعد اندلاع الحرب.
الناشطة المقدسية فاطمة خضر الطور القدس الجزيرة
ملاحقة وانتقام
فاطمة خضر، أو كما اعتادت أن يناديها المقدسيون بـ"المناضلة أم أيمن" تجد صعوبة في المشي بسبب آلامها الجسدية الناتجة عن الضرب والاعتداءات التي تعرضت لها على مدار سنوات خلال تصديها لانتهاكات الاحتلال في المدينة المقدسة.
التطريز التراثي الفلسطيني يزيّن حجابها وملابسها وقلادتها وحتى حقيبتها، ورغم كل آلامها النفسية الناجمة عن مشاهد حرب الإبادة في غزة، إلا أن ابتسامتها تزين وجهها بين الحين والآخر وتقول "بسيطة.. سنصمد حتى آخر نفس".
ولكن تفاصيل حياتها اليومية ليست بسيطة بفعل ملاحقتها في أبسط الأمور، فدخولها إلى المسجد الأقصى لا يتم إلا بشق الأنفس. وتقول "منذ اندلاع الحرب.. عُممت صورتي على الأبواب، ولم يُسمح لي بدخول المسجد لأسابيع طويلة.. كان عشرات العناصر يلاحقونني حتى باب العامود الذي اضطررت للصلاة على مدرجاته".
ورغم أنها تنجح أحيانا في دخول أولى القبلتين الآن، إلا أنها تعاود المحاولة على 3 أبواب وتدخل في المرة الرابعة أو الخامسة.
وتضيف "تُفتش الشرطة حقيبتي والطعام الذي أجلبه ويتعمدون إذلالي على الأبواب.. قلت لأحدهم يوما: رغم أن كُنسكم بنيت على أرض فلسطينية إلا أننا لا نذهب إلى أماكن عبادتكم وننغص عليكم فلماذا كل هذا التضييق على عبادات المسلمين ومقدساتهم؟".
13 ملفا أمنيا
لم تُلاحق أم أيمن في حقها بالوصول إلى أماكن العبادة فحسب، بل نُبشت ملفاتها السابقة، وتوضح أن 13 ملفا أمنيا فُتح لها على مر السنوات، وتصرُّ المخابرات الإسرائيلية على تذكيرها بها بين الفينة والأخرى لثنيها عن القيام بأي حراك خلال الحرب.
وتقول "أخضع لجلسات علاج طبيعي وأعاني من مشكلات صحية متشعبة بسبب ما تعرضت له خلال الاعتقالات الميدانية.. أُعاقب دائما بالكفالات المالية الباهظة وأكتشف أن ديونا مستحقة عليّ وأسعى دائما لسدادها خوفا من تراكمها، وتتعلق غالبا بكفالات مالية بعد التوقيف والاعتقال لي ولأبنائي، أو ملفات ضريبية أو تخص بلدية الاحتلال أو التأمين الوطني".
وكإجراء عقابي أوقفت سلطات الاحتلال لفترة مؤقتة مخصصات المسنين التي يُفترض أن تحصل عليها فاطمة بشكل شهري، وتعرضت لتهديد بسحب حق الإقامة في القدس منها بادعاء أن مركز حياتها يقع خارج المدينة، وتؤكد هذه المسنة أن كل هذه الإجراءات التعسفية تهدف لتهجير الفلسطينيين من القدس.
وبصوت منخفض ونبرة حزن ختمت فاطمة حديثها للجزيرة نت بالقول "كل هذه الملاحقات لا تساوي شيئا أمام الإبادة في غزة.. أطفالها الذين يُذبحون هم أبناؤنا.. متى ستحقن دماء شعبنا؟ قضيتنا قضية كل أحرار وشرفاء العالم.. يكفينا تهجيرا ونكبات متجددة منذ 76 عاما".
الناشطة المقدسية وفاء أبو جمع الطور القدس الجزيرة
خدمة مسنين يهود
من جهتها، تقول وفاء أبو جمعة التي بدأت ملاحقتها وأسرتها عام 2013 وتجرعت هي الأخرى كافة صنوف الذل، وكان أقسى فصول ملاحقتها إجبارها على أداء "الخدمة الإجبارية لصالح الجمهور دون مقابل".
"عملت لمدة عام كامل في مغسلة ملابس بدار للمسنين اليهود، وعانيتُ من إهانتي يوميا وعدم مراعاة حالتي الصحية كوني مشخصة بمرضي السكري والقلب.. أصبتُ بـ3 جلطات قلبية ولم يشفع لي ذلك بإعفائي من العمل".
واعتُقلت الناشطة عدة مرات كان آخرها عام 2018 حين حُكم عليها بالسجن 6 أشهر بتهمة "التحريض على موقع فيسبوك" وأجُبرت بعد تحررها على أداء "الخدمة الإجبارية" لكن فصول الملاحقة لم تنتهِ عند هذا الحد.
وبعد بناء منزل صغير لنجلها، حُررت لها مخالفة بقيمة 16 ألف دولار أميركي بحجة تشييده دون ترخيص، وفوجئت قبل أشهر بمضاعفة المخالفة، وتطالبها سلطات الاحتلال الآن بتسديد قرابة 73 ألف دولار مخالفة بناء.
وتضيف "توجهتُ في أبريل/نيسان الماضي إلى الأردن، وأعادوني أدراجي بحجة أنني ممنوعة من السفر بسبب الديون المتراكمة عليّ رغم أنهم لم يرسلوا لنا إشعارات بذلك.. عرفتُ فورا أن ذلك يندرج في إطار الانتقام من النشطاء.. عدتُ إلى منزلي ووكلت محاميا لمتابعة ملف الديون".
سحب رخصة القيادة
ليس هذا فحسب بل اكتشفت وفاء صدفةً أن رخصة القيادة الخاصة بها سُحبت دون إبلاغها بهذا الإجراء العقابي، وعندما سألت عن سبب ذلك قيل لها إنها كتبت يوما على صفحتها في موقع فيسبوك خلال موجة عمليات الدهس بالقدس "ادعسوا وأنا أعبئ لكم البنزين على حسابي".
وكانت هذه العبارة -التي تقول وفاء إنها كتبتها بشكل عفوي- كفيلة بعقابها بسحب رخصة القيادة منها إلى الأبد.
تتبادل هاتان السيدتان همومهما المتشابهة تارة، وتتسمران أمام الأخبار العاجلة على شاشة الجزيرة تارة أخرى، وتواسيان بعضهما بأن ما تعانيان منه وكافة المقدسيين لا يساوي شيئا أمام المجازر اليومية في غزة.
خرجنا من المنزل على وقع مكالمة وردت للمناضلة أم أيمن بعد أن رنّ هاتفها بأغنية:
يا رايحين عالقدس خذوني معاكم
لادعي لربي وأقول ربي يحماكم
مُرّوا من باب العامود بالكوفية الغالية
شوفوا حضارة الجدود والقامات العالية
التقطت المكالمة وقالت "آه يمّا.. طرّزت القدس وغزة على قماش ووضعتهما في براويز لأشارك بها في معرض بالأردن إذا لم تشتعل الحرب".
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة -
منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انطلقت حملة انتقام إسرائيلية جماعية من المقدسيين وخاصة النشطاء منهم والأسرى المحررين، عبر سلب كثير منهم حريتهم والاعتداء عليهم بالضرب المبرح ثم الإفراج عنهم بشروط أو تحويلهم للسجن الفعلي بتهمة "التحريض".
ومع مرور الوقت، ظهرت أشكال أخرى من الانتقام في المدينة المقدسة، فنُبشت ملفات قديمة لكثير من المقدسيين، وعوقبوا بأثر رجعي عليها، وفُتحت لهم ملفات جديدة في دوائر رسمية مختلفة ووجد الكثير من النشطاء أنفسهم غارقين في بحر من الديون والمتاهات.
وتوجهت الجزيرة نت إلى بلدة الطور للقاء الناشطتين المقدسيتين فاطمة خضر (67 عاما) ووفاء أبو جمعة (57 عاما) والاستماع لغيض من فيض من أشكال الملاحقة والانتقام التي نالتاها من سلطات الاحتلال خاصة بعد اندلاع الحرب.
الناشطة المقدسية فاطمة خضر الطور القدس الجزيرة
ملاحقة وانتقام
فاطمة خضر، أو كما اعتادت أن يناديها المقدسيون بـ"المناضلة أم أيمن" تجد صعوبة في المشي بسبب آلامها الجسدية الناتجة عن الضرب والاعتداءات التي تعرضت لها على مدار سنوات خلال تصديها لانتهاكات الاحتلال في المدينة المقدسة.
التطريز التراثي الفلسطيني يزيّن حجابها وملابسها وقلادتها وحتى حقيبتها، ورغم كل آلامها النفسية الناجمة عن مشاهد حرب الإبادة في غزة، إلا أن ابتسامتها تزين وجهها بين الحين والآخر وتقول "بسيطة.. سنصمد حتى آخر نفس".
ولكن تفاصيل حياتها اليومية ليست بسيطة بفعل ملاحقتها في أبسط الأمور، فدخولها إلى المسجد الأقصى لا يتم إلا بشق الأنفس. وتقول "منذ اندلاع الحرب.. عُممت صورتي على الأبواب، ولم يُسمح لي بدخول المسجد لأسابيع طويلة.. كان عشرات العناصر يلاحقونني حتى باب العامود الذي اضطررت للصلاة على مدرجاته".
ورغم أنها تنجح أحيانا في دخول أولى القبلتين الآن، إلا أنها تعاود المحاولة على 3 أبواب وتدخل في المرة الرابعة أو الخامسة.
وتضيف "تُفتش الشرطة حقيبتي والطعام الذي أجلبه ويتعمدون إذلالي على الأبواب.. قلت لأحدهم يوما: رغم أن كُنسكم بنيت على أرض فلسطينية إلا أننا لا نذهب إلى أماكن عبادتكم وننغص عليكم فلماذا كل هذا التضييق على عبادات المسلمين ومقدساتهم؟".
13 ملفا أمنيا
لم تُلاحق أم أيمن في حقها بالوصول إلى أماكن العبادة فحسب، بل نُبشت ملفاتها السابقة، وتوضح أن 13 ملفا أمنيا فُتح لها على مر السنوات، وتصرُّ المخابرات الإسرائيلية على تذكيرها بها بين الفينة والأخرى لثنيها عن القيام بأي حراك خلال الحرب.
وتقول "أخضع لجلسات علاج طبيعي وأعاني من مشكلات صحية متشعبة بسبب ما تعرضت له خلال الاعتقالات الميدانية.. أُعاقب دائما بالكفالات المالية الباهظة وأكتشف أن ديونا مستحقة عليّ وأسعى دائما لسدادها خوفا من تراكمها، وتتعلق غالبا بكفالات مالية بعد التوقيف والاعتقال لي ولأبنائي، أو ملفات ضريبية أو تخص بلدية الاحتلال أو التأمين الوطني".
وكإجراء عقابي أوقفت سلطات الاحتلال لفترة مؤقتة مخصصات المسنين التي يُفترض أن تحصل عليها فاطمة بشكل شهري، وتعرضت لتهديد بسحب حق الإقامة في القدس منها بادعاء أن مركز حياتها يقع خارج المدينة، وتؤكد هذه المسنة أن كل هذه الإجراءات التعسفية تهدف لتهجير الفلسطينيين من القدس.
وبصوت منخفض ونبرة حزن ختمت فاطمة حديثها للجزيرة نت بالقول "كل هذه الملاحقات لا تساوي شيئا أمام الإبادة في غزة.. أطفالها الذين يُذبحون هم أبناؤنا.. متى ستحقن دماء شعبنا؟ قضيتنا قضية كل أحرار وشرفاء العالم.. يكفينا تهجيرا ونكبات متجددة منذ 76 عاما".
الناشطة المقدسية وفاء أبو جمع الطور القدس الجزيرة
خدمة مسنين يهود
من جهتها، تقول وفاء أبو جمعة التي بدأت ملاحقتها وأسرتها عام 2013 وتجرعت هي الأخرى كافة صنوف الذل، وكان أقسى فصول ملاحقتها إجبارها على أداء "الخدمة الإجبارية لصالح الجمهور دون مقابل".
"عملت لمدة عام كامل في مغسلة ملابس بدار للمسنين اليهود، وعانيتُ من إهانتي يوميا وعدم مراعاة حالتي الصحية كوني مشخصة بمرضي السكري والقلب.. أصبتُ بـ3 جلطات قلبية ولم يشفع لي ذلك بإعفائي من العمل".
واعتُقلت الناشطة عدة مرات كان آخرها عام 2018 حين حُكم عليها بالسجن 6 أشهر بتهمة "التحريض على موقع فيسبوك" وأجُبرت بعد تحررها على أداء "الخدمة الإجبارية" لكن فصول الملاحقة لم تنتهِ عند هذا الحد.
وبعد بناء منزل صغير لنجلها، حُررت لها مخالفة بقيمة 16 ألف دولار أميركي بحجة تشييده دون ترخيص، وفوجئت قبل أشهر بمضاعفة المخالفة، وتطالبها سلطات الاحتلال الآن بتسديد قرابة 73 ألف دولار مخالفة بناء.
وتضيف "توجهتُ في أبريل/نيسان الماضي إلى الأردن، وأعادوني أدراجي بحجة أنني ممنوعة من السفر بسبب الديون المتراكمة عليّ رغم أنهم لم يرسلوا لنا إشعارات بذلك.. عرفتُ فورا أن ذلك يندرج في إطار الانتقام من النشطاء.. عدتُ إلى منزلي ووكلت محاميا لمتابعة ملف الديون".
سحب رخصة القيادة
ليس هذا فحسب بل اكتشفت وفاء صدفةً أن رخصة القيادة الخاصة بها سُحبت دون إبلاغها بهذا الإجراء العقابي، وعندما سألت عن سبب ذلك قيل لها إنها كتبت يوما على صفحتها في موقع فيسبوك خلال موجة عمليات الدهس بالقدس "ادعسوا وأنا أعبئ لكم البنزين على حسابي".
وكانت هذه العبارة -التي تقول وفاء إنها كتبتها بشكل عفوي- كفيلة بعقابها بسحب رخصة القيادة منها إلى الأبد.
تتبادل هاتان السيدتان همومهما المتشابهة تارة، وتتسمران أمام الأخبار العاجلة على شاشة الجزيرة تارة أخرى، وتواسيان بعضهما بأن ما تعانيان منه وكافة المقدسيين لا يساوي شيئا أمام المجازر اليومية في غزة.
خرجنا من المنزل على وقع مكالمة وردت للمناضلة أم أيمن بعد أن رنّ هاتفها بأغنية:
يا رايحين عالقدس خذوني معاكم
لادعي لربي وأقول ربي يحماكم
مُرّوا من باب العامود بالكوفية الغالية
شوفوا حضارة الجدود والقامات العالية
التقطت المكالمة وقالت "آه يمّا.. طرّزت القدس وغزة على قماش ووضعتهما في براويز لأشارك بها في معرض بالأردن إذا لم تشتعل الحرب".