هجرة الطوفان

  • الأحد 07, يوليو 2024 11:57 ص
  • هجرة الطوفان
في مطلع كل عام قمري يتذكر الناس الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، وما ذاك لأن الهجرة وقعت في أول الشهر المحرم ، لكن لأن العام يبدأ به ولأنه وقع اختيار الفاروق على حدث الهجرة ليكون منطلقا للتاريخ الإسلامي فتتعلق به الأحداث قبله وبعده .
هجرة الطوفان
د. أحمد داود شحروري
في مطلع كل عام قمري يتذكر الناس الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، وما ذاك لأن الهجرة وقعت في أول الشهر المحرم ، لكن لأن العام يبدأ به ولأنه وقع اختيار الفاروق على حدث الهجرة ليكون منطلقا للتاريخ الإسلامي فتتعلق به الأحداث قبله وبعده .
ولقد قضى رسولنا عليه الصلاة والسلام أن “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية” ، فما عادت الأنظار تتجه نحو الهجرة إلا لتتعلم منها ومما علق بها من أحداث ما يمدّها بالعزيمة على الثبات على عهد الحبيب عليه الصلاة والسلام ، لأن النكوص يعني العودة إلى هجرات مذلّة ، وقد كانت الهجرة النبوية عنوان العِزّ ، كان بعدها نشوء الدولة الإسلامية التي سادت الدنيا وملأت آفاقها عدلا واستقرارا وأمنا ، وخرج من رحم الهجرة مسجد يجمع الناس في سلمهم وحربهم وفي منشطهم ومكرههم ، فصار مأوى الأفئدة وبه صُنّف الناس مؤمنا ومنافقا ، عقدت ألوية الغزوات فيه ، وعُرِضت حاجات الناس فيه ، وفيه ترجمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إخوانا ينتظمون في صف الصلاة تستوي قلوبهم كما تستوي صفوفهم ، ويخشعون للذكر كما تدمع عيونهم لحاجة محتاج أو آهة مريض .
لقد ربّت الهجرة مجتمعا إيمانيا مثاليا بلغ حاله في عهد الصديق رضي الله عنه ألا يترافع اثنان في خصومة لينظر فيها قاضيه الفاروق رضي الله عنه طوال حول بكامله ، وأن يهزّ إيمان جيش متيقن من معية ربه تعالى عروش دول عظمى في فتات من السنين .
ولقد بشرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بطائفة من أمته ترث رسالة الهجرة وتستثمر دروسها وتثبت على ذلك لا يضرها من خالفها أو خذلها ، وحدد مكانها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ، لنعيش بفضل الله وكرمه انبعاث هذه الطائفة لتذود عن حمى القدس وتحمي حرمة الأقصى وتخوض حربا عالمية ترميها فيها أمم البغي عن قوس واحدة .
وطوفان الأقصى وهو ينهي شهره التاسع يتفيأ ظلال الهجرة ويسير على خُطا إشراقاتها ، ويوشك الطوفان أن يهاجر هو إلى كل أرض مسها الضيم وسِيمَت من عدوها خسفا ، يوشك الطوفان أن يبلغ مداه ما بلغ الظلم مداه ، ليُعمّي على آثار الدماء ويلملم الأشلاء ، ويقيم الصلاة صلة بين المظلوم وحقه المغتصب ، ويصنع المؤاخاة على طريق الثأر لآهات الثكالى وصرخات الجوعى ورجفات الخائفين ، سيهاجر الطوفان ليبلغ مداه ما بلغ الليل والنهار ، فيملأ الكون أمنا وعدلا ، فيا طغاة العالم إننا لنحسّ بأُنس نسمات الهجرة النبوية ونجد شذاها في أجوائنا ينبعث ليعوضنا عن رائحة الظلم والبغي وجبروت الطواغيت الذي ملأ علينا دنيانا فأفسدها ، فلا خوف علينا إذا استعلن الطوفان الذي يوشك أن يطهّر أرض الإسراء والمعراج ويلتفت إلى فسحة من الأرض أفسدها ظلم الظالمين واستكبار المستكبرين .
لا هجرة بعد الفتح ، فبعد فتح الأرض وقلوب أهلها وعقولهم لا يبقى إلا أن نحسّ بالاطمئنان إلى وعد الله تعالى “إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖوَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ” ، فاللهم اجعلنا من المتقين لنكون بعض الطائفة المنصورة الهادر طوفانها ليبلغ مداه ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
(البوصلة)