رهانات خاسرة على استسلام المقاومة

  • الأحد 06, أبريل 2025 09:15 ص
  • رهانات خاسرة على استسلام المقاومة
تزايدت خلال الأيام الماضية رهانات الكيان الصهيوني وداعميه من الغرب والشرق وحتى من العرب على استسلام المقاومة الفلسطينية مع استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة. يراهن الكيان ومعه حكومات عربية للأسف على أن المقاومة تراجعت كثيرا، وأنها تفقد تدريجيا حاضنتها الشعبية مع خروج مظاهرات في بعض مناطق القطاع تطالب بخروجها منه، وتتهمها بالتسبب في الدمار الذي أصيب به.
رهانات خاسرة على استسلام المقاومة
قطب العربي
تزايدت خلال الأيام الماضية رهانات الكيان الصهيوني وداعميه من الغرب والشرق وحتى من العرب على استسلام المقاومة الفلسطينية مع استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة. يراهن الكيان ومعه حكومات عربية للأسف على أن المقاومة تراجعت كثيرا، وأنها تفقد تدريجيا حاضنتها الشعبية مع خروج مظاهرات في بعض مناطق القطاع تطالب بخروجها منه، وتتهمها بالتسبب في الدمار الذي أصيب به.
لم تكن المظاهرات التي خرجت في غزة بريئة، أو عفوية بالمطلق، لا ننكر صعوبة الوضع في غزة، ونفاد صبر أهلها على ما يتعرضون له وهو ما لا يستطيع أي شعب آخر تحمله، ولا ننكر أن البعض شاركوا بعفوية للتعبير عن رأيهم، وللمطالبة بوقف الحرب، وهو مطلب مشروع تماما، ولكن لا نتجاهل أن هناك من ساهم في تنظيم التظاهرات، وتوجيهها لتكون ضد حماس أكثر من كونها ضد الاحتلال الإسرائيلي، هنا لا تخطئ العين ولا العقل دور السلطة الفلسطينية التي وقفت منذ اليوم الأول ضد طوفان الأقصى، وقبل ذلك فهي تبذل كل جهدها وتتعاون مع طوب الأرض، ومع سلطات الاحتلال نفسها لتدمير حماس، كما لا تخطئ العين والعقل دور سلطات الاحتلال التي نجحت في تجنيد عديد من العملاء داخل غزة، ليقوموا بدور التحريض على التظاهر، والهتاف ضد حماس بزعم أن ذلك قد يقنع جيش الاحتلال بتجنيب المناطق التي تظاهرت ضد حماس من الاعتداءات.
حاول المراهنون على استسلام المقاومة وفي القلب منها حماس تصوير مشاهد المظاهرات باعتبارها انتفاضة كبرى ضد حماس، وأنها تكشف انهيار الحاضنة الشعبية لها، متجاهلين أن حماس -ورغم ما تملكه من قوة أمنية حتى الآن في القطاع- قررت السماح بهذه المظاهرات وعدم التصدي لها لإدراكها أن حاضنتها لا تزال هي الكبرى، وهذا اليقين ليس انطباعيا، فقد كشف استطلاع مشترك للرأي العام في غزة فيما بين بداية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 و25 يناير/كانون الثاني الماضي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومركز أرتس إنترناشيونال الأمريكي، أن نسبة المؤيدين للمقاومة المسلحة عموما بلغت 52.2%، وجاء المحايدون في المركز الثاني بنسبة 24%، بينما جاءت فتح في المركز الثالث بنسبة 22%.
يمكن أن تتراجع نسبة المؤيدين للمقاومة المسلحة بين أهل غزة، فهم بشر، ولكن الرهان على انهيار المقاومة نفسها هو رهان خاسر، فهذه مقاومة من طبيعة مختلفة، مقاومة ترى أن الموت في سبيل الله دفاعا عن وطنها هو أسمى أمانيها، وبالتالي لا تهزها التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، بل لا تفتّ في عضدها الغارات الغاشمة، قادة هذه المقاومة قاتلوا مع جنودهم في الخطوط الأمامية، وسطروا ملاحم جهادية ستظل محفورة في ذاكرة التاريخ البشري، كما أنهم تركوا أبناءهم في منازلهم وخيامهم وسط بقية الشعب، واستشهد العديد من أبنائهم وأهلهم على خلاف الدعايات الكاذبة التي حاولت تشويههم بأنهم يخفون عائلاتهم في الأنفاق ويتركون الشعب الفلسطيني للموت.
نتذكر هنا تصريحات المبعوث الأمريكي السابق دينيس روس عقب اندلاع الطوفان مباشرة إذ قال إن حكاما عربا التقاهم وطلبوا من حكومته سرعة التخلص من حماس، وهو ما كرره لاحقا وزير الخارجية الأمريكي السابق بلينكن، وهو أمر لا يحتاج إلى شهادات بل إن الواقع أصدق أنباء من تلك الشهادات والمطالبات، فرغم بيانات الشجب والإدانة النظرية للعدوان الإسرائيلي فإن الدول العربية لم تقم بدور حقيقي في مواجهة هذا العدوان، ولم تستخدم ما لديها من أوراق ضغط لوقفه، ولم تسمح غالبيتها لشعوبها بالتعبير عن غضبها، بل إن كثيرا من التسريبات كشف تقديم بعضها إمدادات عسكرية مخابراتية للكيان الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية.
حلم البعض خاصة الكيان الصهيوني وإدارة ترامب وبعض النظم العربية بانهيار المقاومة واستسلامها، وتسليم أسلحتها، رهان خاسر بالتأكيد، فهذه المقاومة إلى جانب كونها عقائدية تعلي قيمة الشهادة على الاستسلام فإنها وعت دروسا سابقة لحركات مقاومة اضطرت تحت الضغط الشديد وتخاذل الأشقاء والأصدقاء إلى الاستسلام فلم يشفع لها ذلك عند عدوها، فحزب الله وافق على وقف عملياته، وقبول نص معدل لقرار أممي مجحف، ومع ذلك لم يتوقف جيش الاحتلال عن قصف ودك مدن وبلدات لبنانية على رأسها العاصمة بيروت نفسها.
لا ننسى أيضا استسلام قيادة منظمة التحرير بزعامة عرفات، وكبرى حركاتها “فتح” للضغوط الأمريكية العربية عقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ولم يشفع هذا الاستسلام للمنظمة التي ظل العدو يلاحقها في مقرها الجديد في تونس، حيث اغتال العديد من كبار قادتها، وأجبرها في النهاية على قبول المزيد من التنازلات في مفاوضات مدريد وأوسلو التي أنتجت اتفاقا للحكم الذاتي الشكلي، ولم تلتزم سلطات الاحتلال بما تضمنه هذا الاتفاق، وظلت تطبق الحصار على قيادة هذه السلطة برئاسة عرفات في المقاطعة حتى وفاته المشكوك في سببها، وهو المصير ذاته الذي توقن المقاومة الحالية أنه ينتظرها هي أو غيرها عند الاستسلام.
نحن أمام مقاومة لا تبحث لنفسها عن ملذات الدنيا كما فعل ويفعل غيرها، بل تسعى لنيل إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وحتى إذا تراجعت نسب مناصريها -التي لا تزال تمثل غالبية حتى الآن- فإنها ستواصل المقاومة بمن ثبت معها، حتى لو فنيت عن آخرها، لكنها إن شاء الله لن تستسلم، لن ترفع الراية البيضاء، ولن تسلم سلاحها، ولن تترك غزة إلا في نعوش الشهداء.