لا شك أن الاستقرار والأمن الاجتماعي أولوية تحرص عليها الأنظمة التي تخدم شعوبها وتعمل على رقيها وتقدمها، خاصة وأنها تعلم علم اليقين أن الأمن الاجتماعي مرتبط باستقرار اقتصادي وسياسي وغير ذلك... هذا ما يضمن احترام القوانين والضوابط الاجتماعية، وفي ذلك خدمة للصالح العام، بل خدمة لجميع شرائح المجتمع الذي يقلص الفوارق الطبقية ويقبل بالتعددية الفكرية التي تضمن معارضة بناءة لا تؤثث المشهد فحسب بل تردع كل من سولت له نفسه التلاعب بحقوق المواطن، وبالمقابل نجد أن الأنظمة التي لا تحترم نفسها ولا شعوبها يسود عملها التخبط والعشوائية في جميع القرارات، وهذا ناتج عن مفهوم السلطة المختل عند هؤلاء على اعتبار ان تملكها يعطي الحق الكامل والصلاحيات اللا محدودة لاستنزاف الوطن و ثرواته وأبنائه، مما ينتج عنه تنامي الغباء في إصدار القرارات التي تؤول بالبلدان نحو الخراب و الإفلاس المادي والمعنوي، ونموذج المغرب من خلال نظامه حافل بأشكال وألوان الفشل الممعن في إغراق سفينة الوطن، بداية من اتفاقيات ما يعرف بالحماية التي فوتت ثروات الوطن للمستعمر مقابل الحفاظ على الكراسي، وصولا إلى اتفاقية الخزي والعار في التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم والذي سيأتي على الأخضر واليابس، وذلك من خلال التدخل في جميع القرارات التي تمس قطاعات حيوية داخل المغرب وتهدد استقراره، وما تحديد سن الثلاثين كشرط لولوج الوظيفة العمومية في قطاع التعليم إلا جانبا من جوانب تأزيم الوضع المجتمعي وتفشي مزيدا من البطالة، و إقبار أحلام الشباب الذي يترك بلده نحو رحلة المجهول بحثا عن الفردوس المنشود في مغامرة غير محسوبة العواقب، وترك الوطن بما حمل من خيرات لأجلاف الصهاينة وأذنابهم يعبثون به ويعيثون في الأرض فسادا، وإذا تحرك الشعب رافضا لقرارات الغباء الممنهجة في تعبير سلمي حضاري، يواجه بأبشع صور العنف والتنكل وتلفيق التهم الباطلة، وهو ما حدث مع الطلبة الذين خرجوا في مختلف مدن المغرب و ينتمون لعدة جامعات ويرفضون هذه الشروط التي تقيد حقهم في ولوج الوظيفة العمومية خاصة قطاع التعليم حيث قوبلوا بالمنع والضرب والإهانة .
فهل الحكومة حقا تبحث عن حل لتجويد التعليم، أم أنها تحاول من خلال هذا القرار وغيره التستر عن المليارات التي تم اختلاسها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي سلبت من عرق جبين مستضعفي هذا الوطن؟
فبدل الضرب بيد من حديد على الجناة وربط المسؤولية بالمحاسبة، تم الإلتفاف على القضية ليدفع ثمنها أبرياء وأبناء الشعب المقهور بتمديد سنوات العمل وحرمان فئة عريضة من حق الشغل، والحال أن تفكير أصحاب الكراسي ينصب نحو مزيد من الاختلاف والنهب والسلب، والغاية عندهم تبرر الوسيلة، صولا الى بيع الوطن في احتلال ثاني ينخر العقيدة والقيم والمبادئ، ويمتص دماء الشعب أو من بقى حيا من أبنائه.
فلا مجال لكسر الطوق إلا بيقظة قلبية ترفع الهمم نحو القمم بمقاومة باسلة، لا تدفع كبش الفداء وتتخلف نحو الوراء بعيدا عن الركب، بل تسير لحمة واحدة تطهر الأرض من عبث العابثين، بإرادة صلبة قوية تأبى الاستبعاد ولا تطيق العيش إلا حرة أبية.