التغول السلطوي وتدمير مجتمعاتنا العربية والمسلمة ..
صالح لطفي... باحث ومحلل سياسي.
ألمتني واحزنتني كما أقلقتني مقالة الدكتور صالح نصيرات حول مناهج التعليم واستحقاقات المرحلة المنشور على موقع " معاً نحو القدس" وكيف تعمل معامل الهدم المُتعمد في جسد الامة المنهك أصلا وكيف يسعون عبر مجموعات شاذة لا نصير لها من إحداث تغييرِ قسري في دين وهوية الامة .. اقول آلمني ذلك وانا أقارن مقالته بما يجري في المؤسسة الإسرائيلية من تدابير في الشأن التعليمي أساسه تحقيق معنى للهوية اليهودية بين الطلاب في مسعى واضح لتجسير الهوة بين الحداثة وتبعاتها والدين واصوله لتحقيق مثال اكمل لمعنى اليهودية كدين وقومية وتراث وميراث ، وهذا الذي تعمل عليه تدفع به الى المدارس العربية ّ عبر تعليم اللغة العبرية ومن بعدُ تَعَلُمِ بعضاً من تاريخ اليهود وتوراتهم وتراثهم وهذه القضيىة ممن المسائل المتفق عليها في وزارتهم والمحثوث عليها ترغيبا وتشويقا بين كافة الطلاب يهوداً وعرباً .
انهم يعملون بوضوح على تخليق ولاءات للدولة بين غير اليهود من ساكنتها عبر أدوات عديدة من أهمها التربية والتعليم وذلك من خلال تذويت " أسرائيل " كدولة للشعب اليهودي وتذويت ذلك بين الطلاب دينيا وقوميا مقارنة مع هذه الشرذمة المحمية من العسكر والغرب الساعية لسلخ أجيال كالمة عن دينها وعقيدتها وسيرتها الإسلامية فمهمة هؤلاء خلق جيلِ مبتوت الصلة بتاريخه .. وازداد الألم يوم ان اقارن بين مسعى هذه الأنظمة لهدم الصلة مع تاريخنا وسير علمائنا مقابل ما يتعلمه طلابنا في مدارسنا العربية في الداخل الفلسطيني من مادة الدين الإسلامي لتكون مادة تخصصية في المرحلة الثانوية لمن يريد من الطلبة في دولة تعلن صباح مساء ان هويتها وقوميتها وعرقيتها واحدة متماثلة سُنت من اجلها القوانين وفُعِّلت العشرات بل المئات من التدابير لتثبيتها في روع ووعي كافة الناس.
لا اخال ان المسلمين وصلوا الى ذُلٍ كهذا الذي وصلوا أليه في أيامنا هذه مع أنظمة اقل ما يقال فيها انها أنظمة متواطئة وعميلة ألا بعد ان نحج الغرب وعملائه من المفكرين والساسة بتخليق جيل سالف متعلمن ومبتوت الصلة بتاريخه ودينه بله ويحقد عليه ويسعى لازالته .. ولذلك لا عجب ان نقرأ عن ما كتبه الدكتور النصيرات في مناهج التعليم وقد علمنا ان منشروط بقاء الأنظمة تماثلها مع تطلعات الغرب في مناهج التربية والتعليم وتعتبر السعودية مثالا حياً في كيفية تغيير مناهجها وفقا لمقاسات الغرب كما مصر ودول الخليج والمغرب وسلطة رام الله .
الحرب الدائرة على عقيدة وهوية الأمة تجاوزت القرنين من الزمان بيدَّ ان أسوأ ما فيها يتجلى اليوم بهذه الجموع المتعلمنة المنبتة عن هويتها وأصولها المدعومة من الغرب ومؤسساته سواء الاتحاد الأوروبي او الأمم المتحدة او الالاف من الجمعيات الداعمة للتوجهات العلمانية والتغريب والجندر والشذوذ الجنسي على اختلاف مسمياته وتفصيلاته وتنوعاته .
ثمة تجليات لهذه القطيعة مع الذات ومع الهوية ومع "الآنا" الجمعية وتتجلى بعضُّ من صورها ومشاهدها عبر الإذاعة والتلفزيون وأدوات التواصل الاجتماعي والفضائيات المُختلفة وليس أدلَّ على ذلك من الأفلام والمسلسلات ومخنتلف البرامج التي تبث وما الام بي سي الا مثالاً حاضراً لما نقول .. في ذات السياق تتواطيء فضائيات عربية وازنة متماشية مع هذه الهجمة على الأصول والتراث والهوية والانتماء والتواصل الإسلامي " الجسد الواحد" متمثلا بعدم المتابعة الحثيثة اخباريا وإستقصائيا لما يحدث للمسلمين في الكثير من اصقاع العالم سواء بسبب فوبيا الإسلام او بسبب الأحقاد والضغائن او بسبب الطائفيات وتطييف المجتمعات ومن باب المثال لا الحصر اشير الى البغي النازل على المسلمين على مسلمي الروهينغا والايغور وعديد القبائل المسلمة في افريقيا الوسطى وما يتعرض له المسلمون البشناق في البلقان فضلاً عما يحدث لأهل السنة في اليمن والعراق وسوريا .
تاريخيا ارتبط ضعف المسلمين بعاملين العامل السياسي المرتبط بالحكم والصراع عليه والعامل الثاني الامة وضعفها ، وكان للعلماء دائما الدور الأساس والحقيقي في النهوض بالامة والسير بها الى إعادة العزة والكرامة وطرد المُحتل ، هكذا على سبيل المثال لا الحصر نقرأ دور العلماء في توحيد الامة امام الزحفين الصليبي والتتاري والذي انتهى بطردهم من الديار الإسلامية وفي تلكم المرحلة من التاريخ وإن كانت للامة بيضتها المتمثلة بالخلافة الرمزية رغم هشاشتها وضعفها فأن الحكام وأن استبدوا في السلطة والسلطان لم يناصبوا الدين العداء ولم يكن لهم دورُّ في تخذيل الامة والعمل على تقويض عقيدتها ودينها واخلاقها كما يفعل حكام العرب اليوم ومن نافلة القول ان اشير الى ما حلَّ بنا في الاندلس كانت بسبب انتكاسة سياسية أدت الى ظهور دويلات هزيلة اصطلح على تسميتها دويلات ملوك الطوائف يوم تحولوا الى خُدامٍ لدى الامارات الصليبية التي توحدت وانتهزت فرصة ضعف الامة السياسية وتفسخها اجتماعيا لتتحالف فيما بينها وتربط تحالفات مه هؤلاء الملوك لاضعافهم في حروب داخلية جعلت افعالهم مقدمات لما اطلق عليه يوم سقوط الاندلس محاكم التفتيش ، التي هي حالة وصيرورة لما نسميه اليوم الفاشية السياسية والابادات البشرية ، وهل واقعنا العربي اليوم غير هذا الذي ذكرت بيدَّ أنَّ ما يؤلم القلب هي تلكم الحرب التي تشنها هذه الأنظمة على الشعوب والمجتمعات المسلمة ، على عقيدتها ودينها ، ووضعها برامج تربوية وتعليمية تدفع نحو فصل الانسان المسلم والعربي عن دينه وتراثه وأعرافه في وقت نجد اعتى الدول علمانية كفرنسا تعود الى ارثها الصليبي والاستعماري ودولة كالولايات المتحدة تتمسك بأهداب المسيحية الانجيلية كموروث له صلة بهويتها وإسرائيل في عودة تكاد تكون شبه شاملة لمكوناتها المتنافرة ،عودة الى الدين متمسكين به ليكونوا في تعريفهم الهوياتي بين مُحافظ ومتشدد ويوما بعد يوم تندحر العلمانية الى زوايا المجتمع في ظل تقدم مستمر لتثبيت قيم اليهودية بين الأبناء من اليهود باعتبار ان لا مستقبل لأمة لا تحترم تراثها وميراثها وتاريخها ودينها.