الأقطاع: النسخة العربية المُحّدثة د. صالح نصيرات
كثيرون ما زالوا يتذكرون ما قرأناه في المدارس عن الطبقية التي حكمت أوروبا من خلال تحالف الملكية والإكليروس والإقطاع. واستطاع الاوروبيون خلال فترة الثورات المتلاحقة فك هذا التحالف الدنس، وبناء دول تقوم على أساس الحقوق المتكافئة لأبناء الشعب. ويبدو أن أوروبيين قصدا أو عن غير قصد صدّروا إلي العالم العربي تحديدا هذا النظام البائس. حيث تحولت معظم بلاد العرب إلى أقطاعيات تتحالف فيها السلطة مع المؤسسة الدينية والإقطاع السياسي.
كان الإقطاع جزءا من التركيبة المجتمعية في أوروبا، فأصبح هو النظام الأمثل في عالم العرب من وجهة نظر المنافحين عنه والمستفيدين من امتيازاته. الإقطاع الأوروبي كان يتمثل في سيد يملك الارض، وعبيد" اقنان" يعملون فيها مقابل قوت يومهم. لم يكن يملك السيّد آنذاك وسائل أكثر من السوط ومجموعات من رجال غلاظ الأكباد وكليلي العقول.
إقطاع الحداثة يملك كل شيء: وسائل إعلام مرئية ومسموعة، جيوش من المنافقين من الإعلاميين والكتّاب واشباه المثقفين يقبضون ثمن هرائهم قبل دخول الاستديوهات. تقنيات تجسس عالية، لصوص متمنكون من كل اساليب النصب والاحتيال، عائلات كاملة باعت شرفها وضميرها، ورجال دين همهم إرضاء السلطان الجائر والمناداة بطاعته المطلقة لأنه ظل الله على هذه الأرض ولو اغتصب مالك وجلد ظهرك. وأخيرا رجال قانون لايختلفون عن اصحاب الفتاوى، فذاك يصدر فتوى مقدسة باسم الله ونيابة عنه، وهذا يقنن الظلم ويشرعن الفساد باسم المدنية والتحضر.
في قانون الإقطاع الجديد وتقاليده، الناس فريقان عبد موال وآخر آبق. فالموالي له امتيازاته ومخصصاته من المناصب و الأموال، يورثها لأبنائه فأحفاده. وهؤلاء العبيد يحتكرون السلطة، ولكن لابأس من توسيع الدائرة قليلا وإدخال من عنده استعداد ليبيع شرفه وقيمه ودينه من أجل تلك المناصب والامتيازات. أما المعارض والعبد الآبق فملعون في نظرهم إلى يوم الدين هو وأولاده وأحفاده، والوزر ينتقل من الأب إلى الابن والحفيد، ويتعداه إلى الخال والعم والقريب الذي علا صوته أو حاول الهروب من "القن" الذي يراد له العيش فيه. بعد هذا وذاك يتساءل سذّج وبسطاء عن الواقع وكأنهم في غيبوية. لماذا الديون في تراكم، والعاطلون عن العمل جيوش، والفاسدون يتقلبون في النعم.
في النظام الإقطاعي التقدمي، مصطلحات فارغة المحتوى، يروج لها أصحاب التوك شو: تقدمية وتحرر وديمقراطية، تحالف القوى التقدمية، تحالف الشعب ضد الإمبريالية وقوى الشر.
في نظام الإقطاع المُحّدث تصبح شعارات تحرير المرأة سوقا رائجة تدّمر الأسرة، وتقضي على البقية الباقية من قيم الرحمة والمحبة و السكن. تقف نساء من بنات الإقطاعيين ينظّرن للفقيرات والباحثات عن الأضواء على مسارح الفنادق الفخمة بأي ثمن.
في نظام الإقطاع العربي المحدّث بائع الأوطان وخائن الأمة في الصدارة والمناضل الحق في السجن أو مطارد في الجبال و الكهوف.
في نظام الإقطاع "التقدمي والليبرالي" تُصنّعُ الأحزاب والجماعات، ويتلهى الناس برؤية مسرح الدمى، تحركه قوى خفية وأخرى علنية. وتتم الانتخابات وينجح من أريد له النجاح، ويفشّل كل من يحاول أن يقول لا.
في النظام الإقطاعي السجن أهم من المدرسة، والبار أهم من المسجد، والمرقص أهم من القيم، والمطبلاتي أهم من استاذ الجامعة والمثقف الحر، والراقصة أهم من العابدة، والمطرب الفاجر أهم من العالِم، وأدوات التعذيب أهم من الأقلام.
في النظام الإقطاعي كل شيء حرام على العبد الآبق: العمل والوظيفة والمكانة الاجتماعية، وحلال للعبد المستكين.
في النظام الإقطاعي اللقيط أهم من الأصيل، والوضيع أرفع شأنا من الشريف، واللص مقّدر أكثر من النظيف. في النظام الإقطاعي لاباس أن يؤله السيد، ويحقّر الأمين.