رمضان شهر الدعوة أيضا!
د. صالح نصيرات
بداية اسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا شهر رمضان، وأن يعيننا على الصيام و القيام وفعل الخيرات.
إن شهر رمضان في حياة المسلم خير الشهور وأفضلها وأعظمها، لما تتجلى فيه معاني التراحم والتكافل والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم. كما أنه شهر حفل بانتصارات كثيرة في تاريخ المسلمين، ولم يكن يوما شهر كسل أو تقوقع، أو البحث عن أشهى المأكولات والمشروبات. أما أن يكون شهر متابعة مسلسلات تافهة لمجموعة ممن باعوا أخلاقهم وقيمهم مقابل دراهم معدودة، فهذه مصيبة حلت علينا بعد أن احتكر أعداء التدين وسائل الإعلام والتواصل. فأرادوه شهر تسلية وميوعة وإفساد.
وللأسف أن المؤسسات الرسمية غدت تمارس احتكار الدعوة إلى الله بطريقتها وأولوياتها الخاصة، حتى أصبح دور المسلم المثقف و الواعي مشلولا، لأنه في نظر المؤسسات الدينية غير مؤهل للحديث في الدين، بدعوى الاختصاص. فاحتكر منابر الدعوة موظفون يقدمون للناس ما يُطلب منهم متجاهلين الاحتياجات الحقيقية للمجتمع.
وهذا الوضع غير الطبيعي في المجتمع المسلم، أثّر سلبا بتكريس كثير من الممارسات والسلوكيات التي تتنافى مع الشهر الكريم وحياة المسلم. ولذلك نجد أن المؤسسة الدينية أصبحت معنية ب"ملاحقة" من يتحدث في دين الله، ومراقبة "التزام" الأئمة بالقرارات الإدارية، أكثر من عنايتها بالارتقاء بالمجتمع وقيمه وسلوكيات أفراده.
ولأن المسلم يقتدي برسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإن الواجب على كل من تمكن من علوم الشريعة والفقه والتربية و الأخلاق أن ينشط في هذا المجال. فوسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، وكذلك وسائل البث المختلفة متاحة للجميع لكسر احتكار الرواية الرسمية عن الدين، وفرض نمط محدد للتدين يتناسب مع السياسة أكثر من انسجامه مع الدين الرباني.
إننا اليوم بحاجة إلى بث روح الجدية والمسؤولية المجتمعية والتفاؤل والمحبة بين أفراد المجتمع، فضلا عن التراحم والتكافل. فالنفوس مهيأة لقبول الخير والحق، ومستعدة للتغيير. أما أن يكون همّ الصائم الانزواء في غرف النوم،ومتابعة المسلسلات منتظرا وقت الإفطار، فإن ذلك يعني إفراغ الشهر من معانيه ومقاصده. ولذلك أدعو وإخواني محبي الخير أن يشدوا الهمة، وأن يشمروا عن سواعد الجد، ويواصلوا مسيرة الدعوة إلى الخير، وأن يكون همهم التغييرالمجتمعي نحو الأفضل. ولا ننسى أننا مجتمع مسلم فيه نسبة عالية من الشباب من الجنسين اصبح كثير منهم هدفا لمؤسسات تخطط ليل نهار لإخراجهم من قيم الدين وأخلاقياته و من منهج الحياة الإسلامية إلى طريق الضلال والعودة بهم إلى الجاهلية الأولى، وإشغالهم بما يدمر مجتمعنا، فليكن هؤلاء في بؤرة الاهتمام والتوجه إليهم بالتربية والتوجيه المبني على سنة نبوية كريمة قوامها الاعتدال والوسطية والرحمة.