المسجد الاقـــــصى روح مدينة القدس(3\3)
صالح لطفي باحث ومحلل سياسي..
(1)
منذ الانتفاضة الثانية واجهاظها عبر تعاون دولي-إقليمي-فلسطيني رسمي والاحتلال الإسرائيلي يُسارع الخطى في تغيير ملامح المدينة المقدسة وفرض تواجد احتلالي داخل المسجد الأقصى بدأ بالعمل على التقسيم الزماني تمهيداً لتحقيق التقسيم الزماني متخذين من التقسيم الذي حدث في المسجد الابراهيمي مثالا للتطبيق .
ومنذ ذلك التاريخ وثلاث عمليات تتداخل داخل المجتمع الإسرائيلي جعلت المسجد الأقصى محورا سياسيا واجتماعيا وحركيا في الدعايات الانتخابية والحدث السياسي وبيانا لمدى التزام الحركات اليمينية والدينية بايديولوجية دينية -صهيونية -متعلمنة .
استطلاعات الراي الأخيرة كشفت كما ورد الأربعاء الفائت (3\5\2022) عن المركز الإسرائيلي للديموقراطية ان 50% من الإسرائيليين يؤيدون صلاة في المسجد الأقصى وبرر 38% منهم السبب في ابراز السيادة الإسرائيلية فيما أشار 12% الى ابراز الأوامر الدينية ، وهذا الاستطلاع يشكف جانباً من التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي وتأثير الحركات اليمينية المتشددة المدعومة مالياً من اطراف حكومية وصهيونية عالمية مقرها الولايات المتحدة وبريطانيا واطراف غير يهودية ذات ابعاد انجيلية سياسية أيديولوجية واطراف اخرى ذات اهداف سياسية .
قراءة متأنيىة لأحداث المسجد الأقصى المبارك في رمضان المبارك الفائت تبين ان الاحتلال رغم شناعة جرائمه واعتداءاته المتواصلة على المصلين بات العديد من قيادات الحاملة للرؤية الاستراتيجة متحسبين من ربط المسجد بالصيرورات السياسية الإسرائيلية التي تتميز بالسيولة السياسية والافراط في الشعبوية وبات الصراع السياسي الداخلي مرتبط بشكل او باخر بالمسجد باقتحامات القوى الدينية الصهيونية الممولة رسمياً ومدى نشر بياناته بين هذه المجموعات لذلك رأينا في الاستطلاعات الأخيرة تنافساً بين الليكود ذو الأصول العلمانية والقوى الدينية الصهيونية الكهانية حول موضوع تأييد الصلاة في المسجد ( الليكود 75،5% يؤيد الصلاة في المسجد مقابل 75% عند الصهيونية الدينية الشريكة مع مجموعة كهانا حي وحزي يمينا الحاكم ذو الأصول الدينية الصهيونية المتعلمنة 75% وحزب تكفا حداشه" امل جديد" مشاركة في الائتلاف الحكومي وهو حزب علماني-محافظ 69% وحزب إسرائيل بيتنا " حزب مشارك في الحكومة يمثل اليهود الروس وهو حزب علماني متطرف في علمانيته، 65%)..... اليمين الإسرائيلي على اختلاف ايديولوجياته يروم الى الوصول الى السلطة وان موضعة المسجد الأقصى في عين العاصفة السياسية سيكون السبيل للوصول الى الحكم عبر احراج حكومة بينيت وتوريطها في مواجهة شاملة مع الكل الفلسطيني تمهيداً لانشاء حكومة طواريء يقودها نتنياهو .
منذ عام 1967 لم تربح إسرائيل حربا خاضتها ضد الفلسطينيين او محيطها العربي والزخم الإعلامي الإسرائيلي يكشف مؤخراً عن حجم الخسائر التي تكبدتها في حروبها الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وباتت الحرب الأخيرة ، حرب سيف القدس، كابوساً إسرائيلي يمكن ان يدفع الاحتلال الى اعمالٍ قد تؤسس لحرب دينية ستطال الشعب الفلسطيني بكافة مناطق تواجده في فلسطين التاريخية وتحدثُ تغييرات جيوسياسية تؤسس في تصوري للعالمية الأسلامية الثانية يكون محورها القدس ولبها المسجد الأقصى المُبارك ، ذلكم أنّ القدس ليست مجرد مدينة بل هي مدينة ذات تراث كوني عالمي جامع للاديان .
القدس والاعداد للعالمية الثانية ..
إنَّ مدينة القدس بما تملكه من موروث تاريخي يجعل مسيرتها ذات نسق مترابط غائر في عمق التاريخ ، يجمع بين فرادتها كمدينة اساس في مداميك التاريخ الانساني وبين كونها خاتمة المسيرة الانسانية بقيام الخلافة الاسلامية الداعية للتوحيد برسم ان جوهر التوحيد تحرير الانسان من عبودية أخيه الانسان فرداً وجماعةً وأمةً وهي بهذه الخصوصية التوحيدية تملك فراداتها القدرية التي اقرتها الاديان السماوية الثلاثة والتي تؤكد أنَّ هذه المدينة ليست كأي مدينة على الارض ، وهي من هذه الحيثية نسق متكامل قدري لا يمكن لبشر محدود العمر أن يتطاول على مدينة مرَّ على ارضها ملايين البشر من كل الملل والاجناس وعلى ترابها الطاهر سقطت ممالك ودول وحددت مسيرة أمبراطوريات ، فالقدس او بيت المقدس هي المعيار الحقيقي لكل من دخلها في مسألتي استمراره الحضاري-المديني وبقائه البشري لأن نسقها قائم على ثلاثة اسس : التوحيد والعدل والسياسة فمن ظلم او تعدى وتفحش أو اشرك ودخل القدس محتلا مزهوا بانتصاراته الدموية وخرابه اياها فهي له بالمرصاد وها هو التاريخ خير دليل ، ولعل نظرا عميقا في مطالع سورة بني اسرائيل"الاسراء" يبين لنا جدل العلاقة بين هذه القيم الثلاثة المؤسسة لنسق بيت المقدس المؤسس لذاتها الخاصة فالقدس في حقيقتها تملك مرونة خاصة بها برسم قُدراتها "القدرية" التي حباها الله الخالق جلَّ في علاه وهو ما يجعلها عالمية رغم أنف الاحتلال أي كان نوعه وملته وخاصة الاحتلال الاسرائيلي الذي يحيلها يوميا الى كتل اسمنتية ويغير من ملامحها التاريخية وخاصة الاسلامية ظانا أن عملية التزوير التي يتقنوننها-يحرفون الكلم عن مواضعه- ستفيدهم في محاولاتهم لخلق قدس جديدة ذات نسق خاص بهم بعيدا عن قدريتها ، وهذه القدرية الخاصة بها جعلتها ذات قدرات خلاقة فلطالما قامت من تحت الانقاض سواء كانت هذه الأنقاض بفعل متعمد من الغزاة كالاشوريين والبابليين والرومان والفرس وغيرهم او بفعل عوامل الطبيعة كالهزات الأرضية التي تعرضت لها وكان اخرها أواخر عشرينات القرن الماضي ، فالقدس بقيت فيما اندثرت امم وحضارات ودول وامبراطوريات ، فقد تماشت مع العالم المتغير وسايرته ثم غلبته وجعلت مصيره بعد ان انحرف عن الجادة قاعا صفصفا ولعل عودة بني اسرائيل الى القدس والبيت المقدس وعموم الارض المباركة دون أن يستفيدوا من درس التيه التاريخي-القدري الذي ابتلوا رغم ان بين يديهم كتاب هدى(محرف الآن) وأنهم جزء من الحاضر الانساني في دورته الثانية - وآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً* ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا- فرصتهم الأخيرة في حركة الحياة ودورتها الثانية التي باتت تستعد للأسلامية العالمية الثانية..
ونحن في هذا الطرح المتعلق بالشأن الأسرائيلي لا نُقارب الحدث البشري\ الإسرائيلي الراهن الى النص القرأني المقدس والمطلق بل نرتفع بالحدث مقاربين إياه للنص وذلك سعياً لتأكيد المنهج المستند الى النص المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو نص فوق الزمان والتاريخ والحادثات ، ولذلك نرى في المسجد الأقصى بنيان الدورة الحضارية العالمية الثانية ومحورها وتتأكد هذه المنهجية من خلال القراءة القرأنية والتبيان النبوي والمسيرة التاريخية للبشرية بعد بعثته ﷺ بعد أن تراجع اهل الإسلام عن مهمتي الحكم والتبليغ فكان أن تقدمت الدورة الحضارة الغربية التي واجهت الامة تاريخياً على اكثر من صعيد وحققت انتصارات كبيرة ادخلتنا في أزمات عديدة كان من تجلياتها قيام أسرائيل باعتبار ان قيامها في القراءات الحضارية يقع ضمن جدل العلاقة القائم بين الحضارة المسيحية-اليهودية بتعددياتها الكاثوليكية والبروتستانتية والانجيلية وما تخلق عنها من أفكار راسمالية انتهت راهناً بالليبرالية المتوحشة المحمية أمريكيا وإسرائيل تعتبر محمية أمريكية.وفي هذا السياق يعتبر علماء الحضارة الغربيون ان قيام إسرائيل وان القدس عاصمتها بيانُ لانتصار الرؤية الغربية الفكرية والأيديولوجية المتحدرة من البُعدين اليهودي-المسيحي ذلكم ان كافة المدارس الفكرية أي كانت درجة لائكيتها هي في القراءات النهائية بيان للخطاب اليهودي-المسيحي الديني المتفشي في الحيوات اليومية والخاصة في الغرب والسيطرة على مدينة القدس بشقيها يعتبر انتصاراً نهائياً للدين " الغربي" الحداثي المُتأسس على قيم توراتية-انجيلية ، ولذلك كان دخول الجنرال البريطاني اللنبي انتصارا غربيا صليبيا ساحقا علماً ان الذي كان وراء هذا الانتصار الحقيقي فيالق الجيش المصري التي كبدت الجيوش التركية خسائر فادحة في القناة ( للاطلاع اكثر على هذا الموضوع يمكن للقاريء الكريم والقارئة الكريمة قراءة كتاب "فيالق العمل المصرية؛ العُمال والفلّاحون والدولة في الحرب العالمية الأولى" لكايل أندرسون وانظر الى حوليات مصر المعروفة باسم [ حوليات مصر السياسية ] من عدد 98 الى 101 لشفيق باشا) وجاء احتلال ما تبقى من القدس وتحديدا المسجد الاقصى والبلدة القديمة عام 1967لطمة للعرب والمسلمين مشكلاً ذروة العلو الغربي الصليبي-الصهيوني-اليهودي ولكنْ هذه المرة بقيادة صهيونية .
احتلال القدس والمسجد الأقصى عام 1967 كما ذكرت شكلَّ ذروة العلو الغربي والإسرائيلي المرتهن للدورة الحضارية الغربية وكلما تمسكت إسرائيل الدولة ومن خلفها المنظومة الحضارية الغربية والى جانبها اللاهوت اليهودي المعاصر بالقدس مدينة مقدسة والاقصى مُقدساً خاصاً بهم او بالشراكة مع الاخر المسلم المرتهن لهذه الدورة حالاً وفكراً وتصرفات كلما راهنت إسرائيل على عمرِ حضاري أطول والعكس صحيح ومن هنا تشكلُ روح المدينة المقدسة المحفز لأولئك الصهاينة [المتدينة ]الذين تنبهوا الى هذه المعادلة وباتوا منذ عقدين من الزمان يتسلمون مناصب حساسة في إسرائيل وراهناً يتسلمون رئاسة الوزراء المنصب الأكثر حساسية واهمية في إسرائيل الصهيونية .
في هذا السياق يمكننا ان نقرأ قرار الرئيس الأمريكي السابق طرامب في هذه الحيثية ، حيثية الانتصار النهائي ونهاية التاريخ كما رأها بعض الباحثين والمفكرين الغربيين والموتورين من العرب العاربة التي انبطحت على عتبات تل ابيب ، ولكنْ في المنظور القدري الذي تتجلى منذ الانتفاضة الأولى وإلى هذه اللحظات جوانب أخرى تشير الى صيرورات المدافعة التي تمرُّ بها الامة كان اخرها الردة العربية على ربيعها كبيان وسيط في معركة الوعي تحضيراً نفسياً وجسديا واخلاقياً للمرحلة القادمة التي اعتقد ان القدس والاقصى سيكون محورها والدافع للتغيير السياسي ، والسياسة برسم انها جسر للحكم : الحكم الإسلامي بقيمه ونظرياته وقوانينه وادواته ووسائله وهذا فيما يبدو لي تتخلق وضعياته ونوياته في اكثر من مكان في عالمنا العربي والإسلامي من ذلك الأرض المقدسة وصراع أهلها مع ممثل الحضارة الصليبية المعاصرة .
(2)
القدس أذ تُسقط نهاية التاريخ...
ما تزال الرمزيات الصليبية تؤدي دورها الطليعي في التاريخ الحديث والسياسات التي تبعت الاحتلال الانجلو-فرنسي لمنطقتنا وتشتيتها الى دويلات لا تزال تخضع للغرب وسياساته فحين دخل الجنرال ادموند اللنبي المدينة المقدسة في 11\12\1917 متسلماً إياها من الحامية التركية التي تركت وراءها قصة تاريخ عمرها اربعمائة عام تحدثت الصحف البريطانية والأوروبية عن اخر الحروب الصليبية وانتهائها وبذلك تكون نهاية التاريخ بانتهاء الدورة الحضارية الإسلامية بعد اذ افلت اخر الدول الإسلامية ذات البُعد الامبراطوري وشكلت فيما بعد بعقود قليلة الحرب على العراق وسقوط الاتحاد السوفياتي وتفكيكه نهاية التاريخ عند فوكوياما الياباني العِرق الأمريكي العقلية والتفكير والايديولوجيا وبذلك تكون الحروب الصليبية قد أغلقت دورتها التاريخية خلال القرن العشرين في عشريته الثانية مع القدس وفي عشريته الأخيرة مع بغداد والموصل وكأننا أمام تسديد حسابات لكنْ في التاريخ دائما تبقى الأمور مفتوحة تماما كحال المسائل الرياضية المفتوحة التي ليس لها حلول مع فارق بسيط انه في عالم الرياضيات قد يأتي عالم جليل فيفك الالغاز ، فيما في مسائل التاريخ تكون المراكمات ولذلك يعمل الغرب ومن يدور في فلكه من العرب المنبطحة على تغيير العقول للناشئة في سباق مع الزمن على تخليق أجيال منسلخة عن تاريخها كما يحصل هذه اللحظات مع تداعيات السلام الابراهيمي والدين الابراهيمي ومعامل الاعلام المصري في حربه القذرة على الإسلام والعلماء بل ويعمل هذا الاعلام على تبخيس الدين وتحقيره وتعلن القرف منه وتستعيبه مستلهمة ومندمجة مع حضارة وافدة : حضارة المادة وتشيييء الانسان وتسليعه فتكون القدس والمسجد الأقصى الهادمة لهذه السياسات وهذا الاعلام البغيض المنفلت لتعيد الأمور الى ركابها الصحيحة.
تعتبر الادبيات العربية ذات الطابع القومي العروبي والإسلامية ان إسرائيل استمرارُّ للمشروع الصليبي ولمَّا يتوقف كما أشار فوكوياما في نهاياته التاريخية حاسماً الموقف أيديولوجيا لليبرالية الامريكية مبشراُ بالقطب الواحد حيث تعتبر إسرائيل ربيبته وثمة تشابه بين الحملات الصليبية القديمة والراهنة ففي حين سعت الأولى لقيام مملكة في مدينة القدس والأرض المقدسة واحاطتها احاطة السوار بالمعصم بممالك وقلاع متواطئة او موالية فكذلك الحال اليوم وكما كانت القدس الروح التي تغذي قوافل المجاهدين للتحرير ما زالت هي هي القدس تفعل مفاعيلها كما الامس تماما فالتاريخ دورات وثمة ثقة بين العرب والتاريخ برسم الكفاح والنضال والجهاد ولكل محايثاته[ المحايثة التي نقصدها في سياق كلامنا عن القدس ليس بالضرورة فلسفيا مجرداً بقدر ما هو كشف للبعد الروحي الجاثي في هذه المدينة بسبب المسجد اذ ببركته استحالت الى مدينة خاصة ، فعلى الرغم مما تتعرض له من نكبة واحتلال ومؤامرة هي في حقيقتها تُفارق هذه الحقيقة الموجودة تقارفها من جهة وتدافعها من جهة ثانية وتتعالى عليها من جهة ثالثة وكل ذلك بفضلها ذاتاً ومن يعيش فيها ومعها وتسكنه فالقدس مدينة تسكن المسلم قبل ان يسكن فيها وهذا من بيانات عظمتها ومفارقتها لما يقع عليها حيث تنتصر عليه في النهايات ]وحيثياته[ الحيثيات أي ما يُبنى من احكام وبيانات على الحالة الراهنة التي تتعرض لها المدينة المقدسة ]فالسيرورة التاريخية تؤكد ان ما حدث مع الصليبيين سيحدث مع الإسرائيليين فالتطورات التاريخية البعيدة المدى هي التي تؤكد هذا التوجه زمانا ولأنَّ القدس حاضرة بكل قوتها وسطوتها وثقلها العقدي والتاريخي والحضاري فستكون كما كانت سالفاً نقطة الجذب: جذب التحرير والتحرر ، تحرير الانسان العربي والمسلم والتحرر من الاستعمار العربي الرجعي العميل والاستعمار الإسرائيلي وولي امرهما الاستعمار الصليبي بشقيه الغربي والشرقي.
القدس كما انهت سابقا نهاية التاريخ الصليبي واعادت القهقرى الجيوش الصليبية وستكون كذلك وكل ذلك بفضل المسجد الأقصى الذي يشكل في راهننا السياسي حالة تحدٍ تستفز كل مسلم ليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي وما يقف خلفه مما ذكرت سالفا بقدر حالتي الوهن والغثائية التي تعيشها الامتين العربية والمسلمة .
في الزمن الإسرائيلي الذي نعيش حيث تتمدد الدولة الإسرائيلية في جسد العالم العربي الذي باتت انظمته رهينة الاستعمار الأمريكي وبات وجودها مرتهن بالمطلق بهذه الإمبراطورية الانجيلية الراعية لإسرائيل ، وإسرائيل اذ تبدع بوسائل التقانة التي هي جسرها الى العالمية فهي كذلك اداتها لاختراق عالم العرب الرسمي والعلماني المتلبرل ، وهي اذ تمارس فنون الاختراق والاستيطان النفسي فهي تعمل جاهدة على دفع العرب عن القدس وبالتالي عن المسجد الأقصى في عملية تعيدنا الى مربع الاحتلال الصليبي الأول الذي ارتكب المجازر سعيا لبناء مملكته الأولى ( في سنة 1198 اجتاح غودوفري دو بويون أسوار المدينة المقدسة وقتل الالاف من ساكنة المدينة فضلاً عن قتله الالاف من جنود المسلمين وخاضت خيولهم في بحر الدماء التي سالت من المسلمين واليهود في أزقة المدينة المقدسة ) واليوم تعمل إسرائيل للسيطرة على المدينة المقدسة عبر وسائل أكثر ذكاء وحنكة ومكراً يشارك فيها حكام العرب ووزرائهم .
على كل الأحوال كان المسجد الأقصى الباعث لعمليتي التحرر والتحرير واذا كانت جدائل شعر المقدسيات اللواتي حلقن شعور رؤوسهن وارسلن من ينوب عنهن لبغداد الخلافة في شهر رمضان لحث المسلمين على الجهاد وتحرير القدس لم يجد نفعاً آنذاك وتأخر النصر عدد عقود واذ كانت الامة مشتتة ومبعثرة فأن احوالها اليوم لا تقل سوءً لكن مع فارق وحيد وجوهري ان امة اليوم اكثر وعياً وحرصاً على المدينة المقدسة من قبل وأن حضور المسجد الأقصى في النفسية العربية والإسلامية اعمق مما سلف من تاريخنا ، وهذا الامر يعمق مكانة المسجد في الانفس وفي الأفاق وهو ما يراه المسلم عياناً في العلاقة بين المسلم الفرد والمسجد الأقصى.
(3)
الوسيلة اذا لم تفضِ الى المقصود سقط اعتبارها..
اعتمدت الدول العربية منذ سبعينات القرن الماضي ومنظمة التحرير المفاوضات والاتفاقيات الدولية أداة لتحقيق مصالح وطنية للفلسطينيين تنتهي بدولة قابلة للحياة في حدود عام 1967 والحقيقة الماثلة امامنا ان هذا السلام سراب بقيعة دفع ثمنه الفلسطينيون ولا يزالون .
تحرير المسجد الأقصى واجبُّ في رقبة الائمة والحكام ومن الواضح ان الوسائل التي اعتمدها العرب في العشريات السبعة الأخيرة لتحرير بيت المقدس كلها فاشلة ولا قيمة لها وبناء على هذه القاعدة القرافية " نسبة الى الامام القرافي" فأنّ كافة الوسائل التي ابتدعها العرب لتحرير الأرض المقدسة ولم تفض الى المقصود يسقط اعتبارها قيمة والتزاماً ومن ذلك كافة الاتفاقيات التي ابرمت بناء على منطقي المغالبة والاستخذاء...واذا كان من العرب والفلسطينيين من يراهن على ان ذاكرة الامتين العربية والإسلامية قصيرة ومستعدة للتنازل عن هذا المقدس من اجل السلامة واكل اللقمة فقد ابعد النجعة وسار في سراب الأفكار واستسلم لواقع مُذلِ وقاهر للاحرار وما يدور هذه اللحظات على الأرض المقدسة جزء مُراكم لفعل بدأت معالمه الأولى في الانتفاضة الأولى وها قد مرَّ عليها عدة عقود ( انطلقت الانتفاضة الأولى في الثامن من ديسمبر\كانون اول من عام 1987 :-8\12\1987) ، وجرت في نهر القضية الفلسطينية والامتين العربية والإسلامية مياه كثيرة وتبدلت معالم وأنظمة لكن بقيت القضية الفلسطينية قلب الامة وبقيت قضية القدس والمسجد الأقصى في روع كل مسلم.
سقطت وستسقط كافة الاتفاقيات التي منحت الصليبية المعاصرة حقوقا في القدس والأرض المقدسة وسيقى المسجد الأقصى روح المدينة المقدسة ومن دون هذا المسجد فهي مجرد ذكرى مثلها كمثل مدن اكثر منها غوراً في التاريخ.