نظرة هامة على جدري القرود
بقلم د. فوزي ابوخليل.
تتناول وسائل الإعلام حاليا خبر إنتشار فيروس جدري القرود، سأتناول في هذه المقالة مقدمة تاريخيه عن هذا الفيروس؟ و كذلك بحث هام جدا تم إجراؤه قبل أكثر من عام من قبل مبادرة التهديد النووي بالتعاون مع مؤتمر ميونخ للأمن لمحاكات فيروس جدري القرود كمثال لتهديد فيروس بيولوجي.
مقدمة تاريخية:
تاريخيا يعتبر مرض جدري القرود، مرض نادر الحدوث، و لقد كان أول ظهور لهذا الفيروس في عام 1958 في مدينة كوبنهاجن في الدنمارك، حيث تم إكتشاف هذا الفيروس في أحد معامل أبحاث تجرى على القرود، و لذلك تمت تسميته بجدري القرود، و كذلك تبين أن الفيروس يستوطن في القوارض.
و حصلت أول إصابة للإنسان عام 1970 في دولة الكونغو، و يستوطن الفيروس في إفريقيا، حيث حسب صحيفة الجارديان، هنالك سلالتان في إفريقيا؛ سلالة في وسط إفريقيا حيث تصل نسبة الوفيات منها إلى 10 بالمائة من عدد الإصابات، و سلالة أخرى في غرب إفريقيا حيث تصل نسية الوفيات منها إلها من 1 إلى 3 بالمائة من عدد الإصابات، وهذه السلالة تم الكشف عنها في الحالات الموجودة حاليا في بريطانيا.
وأول ظهور لوجود حالات للفيروس خارج إفريقيا كان في أمريكا عام 2003، في الولايات الغربية الوسطى، و تبين أن المرضى قد خالطوا البراري الأليفة مخالطة حميمة حسب موقع منظمة الصحة العالمية.
وظهر الفيروس في نيجيريا عام 2017، حيث تم تشخيص ما يقارب 200 حالة في نيجيريا منذ ذلك الوقت، وكذلك تم تشخيص حالتين في أمريكا قبل عامين، لأشخاص كانوا قادمين من نيجيريا.
وخلال هذا الشهر لوحظ انتشار سريع للفيروس في أمريكا، كندا، بريطانيا، ايطاليا، اسبانيا، البرتغال، السويد، المانيا، فرنسا، استراليا، وحسب موقع منظمة الصحة العالمية، بلغ عدد الحالات المشخصة في العالم ما يقارب 80 حالة في 11 دولة في العالم، حيث الأعراض الأولية مشابهة لفيروس الإنفلونزا، مع ظهور طفح جلدي و تضخم في الغدد اللمفاوية، و فترة حضانة تتراوح من 7 الى 14 يوما. وحسب موقع منظمة الصحة العالمية ينتقل الفيروس من المخالطة المباشرة مع الحيوانات، سواء عبر سوائل الحيوانات المصابة بالفيروس، أو عبر جروح في الجلد، أو عبر الأغشية المخاطية.
و حسب مجلة الكونفرساشن، هذا لأول مرة يتم الكشف عن طريقة انتقال عبر الجنس لهذا الفيروس، حيث لوحظ 4 حالات من 7 حالات في بريطانيا و كذلك 22 من 23 حالة في مدريد كانت حالات فيها ممارسة لعلاقات مثلية، و كذلك ذكرت سوزان هوبكنز، كبيرة المستشارين الطبيين في وكالة الأمن الصحي البريطانية، انتشار مرض جدري القرود بشكل ملحوظ بين المثليين جنسيا في كل من المملكة المتحدة وأوروبا.
و الغريب في هذا الإنتشار أنه ينتشر في دول غير مستوطن فيها هذا الفيروس و كذلك تبين وجود حالات من غير وجود سفر مسبق إلى دول يستوطن فيها الفيروس مثل إفريقيا.
نظرة على بحث مبادرة التهديد النووي بالتعاون مع مؤتمر ميونخ للأمن:
عنوان البحث:
تقوية النظام العالمي في التعامل مع حالة حدوث تهديد بيولوجي ذو آثار عالية جدا.
ملخص البحث:
بتاريخ مارس 2021، قامت NTI (مبادرة التهديد النووي) بالتعاون مع مؤتمر ميونيخ للأمن، بمبادرة محاكاة استراتيجية بهدف التحضير و لمنع التهديد البيولوجي، و تم في هذه المحاكاة فحص الثغرات في الأمن البيولوجي الدولي، و التحضير ل الجائحة، و الفرص لتطوير و لمنع التهديد البيولوجي.
من ضمن مراحل تصميم سيناريو المحاكاة كالتالي:
1. المرحلة الأولى: اكتشاف فيروس بتاريخ 15-5-2022، يؤدي إلى حدوث 1421 حالة من فيروس جدري القرود، و 4 حالات وفيات خلال 3 أسابيع، و السيناريو على فرض عدم وجود نظام تحذير دولي للتهديد البيولوجي.
2. المرحلة الثانية: خلال 8 شهور و في اوائل سنة 2023، يتم تصنيع لقاح لهذا الفيروس، و لكن يتبين أن هذا الفيروس مصنع بشكل لا يستجيب ل اللقاح، لذلك يستفحل الفيروس في 83 دولة في العالم، و كذلك إصابة 70 مليون حالة و 1.3 مليون وفاة.
3. المرحلة الثالثة: في شهر مايو 2023، بحيث يكون هنالك 480 مليون حالة، و 27 مليون حالة وفاة، و يتم الكشف أنه ذلك مصدر إرهاب بيولوجي، و مصدره من معمل فيروسات بيولوجي.
4. بعد 7 شهور، و بتاريخ ديسمبر 2023، تصل الحالات إلى 3.2 مليار حالة و 271 مليون حالة وفاة.
القضايا المهمة في سيناريو المحاكاة هو مدى التحضير ل الجائحة، و التدابير اللازمة لتعزيز الجاهزية الوطنية ل الجائحة.
نتيجة البحث و المحاكاة، تم شرحها في صفحة 6 من وثيقة البحث المكونة من 36 صفحة:
1. ضعف النظام العالمي في اكتشاف و تقييم و التحذير من مخاطر الأمراض و الوباء.
2. ثغرات في التأهب على المستوى الوطني لمواكبة هذه الأمراض.
3. ثغرات في إدارة الأبحاث البيولوجيه الموجودة حاليا.
4. التمويل الغير كافي للتأهب الدولي في حالة حدوث جائحة.
وبناء على هذه الثغرات، تم إصدار هذه التوصيات، كما هي مشروحة في الوثيقة:
1. دعم الأنظمة الدولية لتقييم مخاطر الجائحة و التقييم و التحقيق في مصادر الجائحة، و دور منظمة الصحة العالمية و الأمم المتحدة في ذلك.
2. تطوير الإستجابة المبكرة ل الجائحة على المستوى الوطني.
3. إنشاء مؤسسة دولية للحد من المخاطر البيولوجيه.
4. تطوير صندوق للأمن الصحي العالمي لتسريع القدرة على مواجهة الجائحة في دول العالم.
5. إنشاء عملية دولية لمواجهة نقص الإحتياجات و المواد الخام بسبب الجائحة.
التعليق على المقدمة و البحث أعلاه:
1. طبعا بالمقارنة مع عدد الحالات التي تم تشخيصها في هذه الأيام، ما يقارب 80 حالة و أكثر، فهذا مؤشر انتشار سريع للفيروس، حيث كما نلاحظ وصل عدد الحالات في نيجيريا إلى 200 حالة خلال 5 أعوام، لذلك 80 حالة خلال فترة قصيرة هو رقم عالي جدا، لذلك قد يكون مؤشر انتشار سريع للفيروس، والنقطة الأخرى، هو أنه هنالك حالات تم تشخيصها من غير سفر المصاب إلى الأماكن و الدول المنتشر فيها الفيروس، فكيف وصل إليهم؟ وهل هنالك طرق انتشار أخرى للفيروس؟ كما تم الحديث عن موضوع الانتشار لدى المثليين؟ وهل هنالك متحورات مسؤولة عن سرعة انتشار الفيروس؟ و ما هي حدة الإصابة؟ هذه أسئلة ستتبين في الأيام القادمة.
2. بالنسبة للبحث، هذا واحد من مئات الأبحاث التي يقومون بها سواء الشركات الخاصة او الحكومية أو مراكز الأبحاث.
3. ففي هذا البحث، تمت مناقشة سيناريو و إجراء بحث فيما لو حصل وباء و تهديد بيولوجي معين، و الهدف منه الإستعداد لذلك و التحضير سواء فيما لو حصل هجوم بيولوجي من دولة أخرى، ولكن الغريب في هذا السيناريو و المحاكاة، أنه تم إستخدام نفس إسم فيروس الجدري المنتشر حاليا و بنفس التاريخ المكتوب في السيناريو!!!!!هل هذا محض صدفة؟؟
3. لذلك يتم استخدام مثل هذه الأبحاث المسبقة لتنفيذ خطة معينة او للتعامل مع واقع معين، بل بعض التدريبات سواء الطيران او الإدارة يتم التدريب على مثل هذا، و نفس الاستراتيجية يتم استخدامها للتحضير لأي تهديد بيولوجي كما في هذا السيناريو وفي هذا الفيروس، و قرأت بحثا مشابها لهذا البحث في عام 2017، قبل كورونا بعامين، يتحدث عن استراتيجية مواجهة جائحة و التحضير لها من حيث تصنيع لقاح خلال 3 شهور و تفاصيل أخرى، و وقتها تم استخدام فيروس الإنفلونزا كمثال على ذلك.
4. هذه الإجراءات و التوصيات المذكورة في البحث بناء على نتائج البحث من شأنها أن تؤدي الى مزيدا من سيطرة الدول الكبرى و الغنية على الدول الضعيفة و الفقيرة، تحت نظام عالمي واحد، مع أنه النظام العالمي فشل فشلا ذريعا في كيفية التعامل مع جائحة كورونا، وما نتج عنها من مشاكل، و تناقضات و عداك عن المشاكل القائمة، و التي برزت خلال الجائحة.
والله أعلم.
دكتور فوزي ابوخليل
تمت كتابة المقالة بتاريخ
05-20-2022
المراجع:
1. مركز مكافحة الأمراض و الوقاية منها.
2. منظمة الصحة العالمية.
3. مبادرة التهديد النووي.
4. مؤتمر ميونخ للأمن.
5. صحيفة الجارديان.
6.مجلة كونفرساشين.
7. صحيفة دايلي ميل.