فمنذ أن ابتليت الأمة بالانقلابات العسكرية وحكم القبائل وهي تعيش في حالة من التراجع والتخلف الذي لايتوقف. فخلال العقود السبعة الماضية قتل الألاف من خيرة ابناء الأمة في سجون الظلمة، وأهين الملايين منهم لمطالبتهم بحقوق آدمية طبيعية منحها الله سبحانه وتعالى للبشر وكفلتها الشريعة وشرعة حقوق الإنسان.
لقد هّونوا قتل الإنسان دون وجه حق، واستهانوا بخلق الله. وخنقوا كل من أمر بمعروف أو نهى عن منكر. وأصبحت المؤسسات التربوية من مدارس ومساجد ليست سوى هياكل بلاروح، لاتؤدي دورها المناط بها في بناء الإنسان الذي يرحم أخاه، وهللت وسائل الإعلام لكل فاسد مفسد.
لماذا يعيش معارض سياسي أعواما في سجن انفرادي؟ وكيف يهان عالم مسنّ ويهمل حتى يموت ؟ كيف يمكن لمواطن أن يتلقى الصفعات والإهانات لا لسبب إلا لأنه طالب بحقه؟ كيف يمكن بناء شخصية متزنة ومواطنة صالحة في مجتمعات تستهين بالروح، وتجعل قتل الابرياء أمرا حساب عليه.
لقد تولّد عن ذلك ونشأت في ظلال هذه الاستهانة بالإنسان ثقافة خطيرة لاتلقي بالا للروح وقيمتها عند الله سبحانه "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". لذلك نجد انتشار ثقافة اللامبالاة والتهوين من الموت بطرق واشكال شتى، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره. فعلى الطرقات وفي أقبية السجون وفي المشاجرات التي لا تكاد تنتهي، تنتهك الحقوق ويموت الأبرياء، ويذهب الجناة والمجرمون دون محاكمات عادلة تعيد للضحايا حقوقهم خاصة إذا كان الفاعلون من أبناء طبقة تتحكم في أقدار الناس أو هكذا ترى نفسها.
لقد اسهمت وسائل الإعلام والفن الهابط وثقافة الهشك بشك في التهوين من شأن الروح الإنسانية. فكل قتيل بتهمة سياسية لهم فيه تبرير، فهو إما متطرف أوإرهابي أو متآمر على الوطن. أما الفن الهابط، فإن استعراضا لأفلام ومسلسلات ومقاطع مصورة ترينا كيف تشجع هذه الوسائل على القتل وإرهاب المستضعفين.
إننا نرى كيف تم حرق الناس علنا وقتلهم بالغازات والأسلحة الكيماوية، وتجويع الشعوب وتركيعها حتى تصبح أداة طيعة في يد أنظمة القتل والإرهاب، حتى أصبح الإنسان العربي في كثير من دول العرب ليس أكثر من لحم ودم من السهل افتراسه من قبل القتلة.
ولعل من أعظم ما ابتليت به الأمة تشجيع الشباب على هدر طاقاتهم، ومدهم بكل أسباب القنوط واليأس المؤدي إلى النحر والانتحار. هذه الروح البائسة اليائسة خطر على ذاتها وغيرها. هذه الروح تعني الإهمال في كل أمور الحياة. حيث نجد على الطرقات وفي الأزقة وحتى أماكن العمل غيابا كاملا لوسائل السلامة. فلا يُتخذ بحق صاحب العمل أي إجراء عقابي. تُشق طريق أو يُبنى جسر أو عمارة، ولا تجد فيها من وسائل السلامة شيء. في حين أن بلادا عربية قليلة تقدمت وتطورت بحق في هذه الإجراءات حتى وصلت إلى مستويات متقدمة في الحفاظ على سلامة المواطن و المقيم.
في كل يوم نسمع عن صعق بالكهرباء، أو سقوط حدث أو شاب في بركة أو ترعة أو سد وذلك لغياب الإرشادات أو التوجيهات الواجب اتباعها لتجنب هذه المخاطر. ويزداد الأمر سوءا عندما نجد مسؤولين يبررون الموت بإلقاء اللوم على القدر ليس إيمانا به ولكن تهربا من المسؤولية.
إن من يفعل الخير لايعدم جوازيه. ومن يفعل الشر فسيلقى عقابه إن عاجلا أم آجلا. "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" والمسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة و المدرسة بغرس قيم الجدية وتحمل المسؤولية واحترام الإنسان، وإلا فمسلسل الموت والقتل سيستمر.
إن من يظن أن العقاب لايصل إليه في هذه الحياة واهم. فالله سبحانه توعد كل من يستهين بالروح بعذاب شديد في الدنيا والآخرة. ومن سكت عن الظلم والظالمين وهو قادر على النصح فهو شريك في هذ الجرائم.
"ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لايرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء"
د. صالح نصيرات
د. صالح نصيرات