الملفت للنظر انه تم اغتياله بعد تطمينات مصرية للجهاد بأن التوتر الذي ساد في الأيام الأخيرة والذي بدأ يوم الاثنين بعد اعتقال القيادي الجهادي بسام السعدي في طريقه للحل.وكانت صحيفة يسرائيل اليوم قد نشرت خبراً مفاده ان القيادات العسكرية الإسرائيلية تأمل ان ينزل قادة الجهاد عن الشجرة بعد صدور تهديدات عقب اعتقال بسام السعدي ونشرت انه في حالة سعي الجهاد لفرض معادلات جديدة فان الجيش وأجهزة الامن ستبادر الى الهجوم وليس بالضرورة ان يكون في غزة وفي هذا إيماءات الى استهداف القيادة التي في الخارج.
نحن امام مجموعة ملاحظات تتعلق بالحملة التي يشنها جيش الاحتلال ونقصه العهد والميثاق وهذه ليست المرة الأولى التي ينقض فيها العهود ويتنكر لها.
أولا : ما قام به الاحتلال من اغتيال واعداد عسكري وشن غارات مدروس وموضوع في أضابير الاحتلال فالاحتلال يعتبر غزة خطر استراتيجي وتهديد امني مباشر لمنطقة الجنوب التي باتت في السنوات الأخيرة الخزان الاستراتيجي المستقبلي لإسرائيل سواءً من حيث التمكين الجغرافي البشري او من خلال التمكين الصناعي الرقمي وتعزيز القوة في القطاع قلق يساور الإسرائيليين لذلك يعملون على تقليصه وقصقصته قدر الإمكان وينتظرون الفرصة أي كانت لتقليص القوة العسكرية المتنامية في القطاع.
ثانياً: التصريحات الاحتلالية التي سبقت العملية يستشعر المُراقب انها مقدمة لما يحصل هذه اللحظات من هجوم دموي.
ثالثاً : الاحتلال يقتل مدنيين من بينهم أطفال ويصرح دبلوماسيين غربيين ان لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها فيما الحقيقة ان الاحتلال يعمل جاهداً على استغلال لحظات معينة لتحقيق منجزات عسكرية وميدانية مستهتراً بدماء المدنيين لعلمه المطلق انه لن يُساءل ابداً
رابعاً: دخول دول عربية على خط الوساطة مع إسرائيل تبين الدور العربي في لعبة الحرب الإسرائيلية وهو دورٌ عليه علامات سؤال كبيرة.
خامساً: ثمة شعور إسرائيلي في انهم حققوا كسباً عسكريا يعيد حتى هذه اللحظات الاعتبار للجيش الإسرائيلي من جهة وبعضاُ من المعنويات المهدورة والمتأكلة أسرائيلياً بعد سيف القدس خاصة بعد الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها القيادات العسكرية والأمنية ابان حكم الليكود فيما عُرف بعركة سيف القدس التي حددت معالم جديدة للحرب.
سادساً: بعد قتل الجعبري صرحَ رئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد ان بلده لا تريد الحرب لكنها جاهزة للحرب معتمداً على ان الجيش استدعى 25 الف من الاحتياط اذ ان لبيد على الرغم من انه يطمع بالعروج مرة ثانية نحو رئاسة الحكومة الا انه مدرك للارباك والخلل الذي سيحصل في مخططاته نحو العودة مجددا للحكم معتمداً أصوات النواب العرب من المشتركة في التوصية عليه .
سابعاً : ثمة مصلحة امنية وعسكرية وسياسية اسرائيلياً في هذا العدوان ، ففي حين يقوم الجيش عبر هذه العملية بعمل تدريبي ميداني عملي لجيشه عبر مختلف الفرق المشكلة للجيش بشكل محدود ممثلاً بالمواجهة مع فصيل الجهاد آملاً ان تبقى حماس خارج المواجهة وفي ذات السياق فأن هذه الحرب قي الوقت ذاته تعتبر عملية ميدانية تدريبية لبعض القيادات العسكرية التي ترقت مؤخراً كما انها عملية تدريبية مباشرة لرئيس الشاباك الجديد وكذا رئيس الوزراء وفي حين يعمل لبيد على استغلال الدم الفلسطيني لتحقيق مكسباً سياسياً انتخابيا تكون فيه المعادلة الدم مقابل الصوت الانتخابي فأنه يريد كذلك ان يَظهر امام المجتمع الإسرائيلي انه ليس ناعماً وأنه خشن في السياسة ويستطيع ان يضع قدمه في حذاء نتنياهو ويقود الدولة افضل منه وهذه الحرب\العدوان دغدغة لعواطف اليمين الإسرائيلي لعله يتحصل منهم على مقعد او يزيد يزيد من فرص ولايته.
ثامناً : التصريحات الصادرة عن مراسلين إسرائيليين ميدانيين من ان التأييد لهذه العملية كبير جداً داخل المجتمع الإسرائيلي يبين حالة هذا المجتمع ودموية تفكيره اتجاه الانسان الفلسطيني وقطاع غزة وبالتالي فهذا المجتمع " المدني" شريكٌ في هذه الحملة او الحرب.
تاسعاً :عملياً الاحتلال نقض العهد والاتفاق مع مصر وغدر في قتله الجعبري لكنْ الحرب لا تؤسسُ على منطق الثقة بين أعداء وفي هذا دعوة للفصائل الى التعلم من هذا الدرس اذ ما حاك جلدك مثل ظفرك وصار من واجبات الوقت تفكيك المجتمع الإسرائيلي وكافة قواه وليس توصيفها .
عاشراً: هذه الحرب ستستمر اذ تطمع حركة الجهاد بتحقيق معادلات جديدة تمكنه اكثر في القطاع وتفتح ثغرات لصالح قوى إقليمية داعمة للمقاومة من جهة وتحيل الجهاد الى لاعب دولي له ثقله السياسي المُؤَسس على رصيده العسكري وأدائه في العدوان الحاصل راهناً .
حادي عشر: تراهن حركة الجهاد على عامل الوقت اذ بقاء الإسرائيليين في الملاجيء سيدفع للضغط على الحكومة الإسرائيلية التي بدورها ستضغط دولاً عربية وأجنبية وهي فرصة ينتظرها الجهاد لتحقيق مأرب حركية وغزية في الدرجة الأولى .
ويبدو لي ان هذا السيناريو هو الاخذ بالتبلور وستكون نهاياته تصريحات انتصار للطرفين فيما الحقيقة ان كلاهما حقق مصالح كلٌ بقدره .... ويبقى السؤال الأخلاقي الى متى سيبقى اهل غزة العزة يدفعون ثمن الفجور السياسي العربي والاستكبار الصليبي والعلو والصلف الإسرائيلي والفرقة الفلسطينية.
حمى الله غزة شعباً وأرضاً وكتب لهم الثبات والعلو..
صالح لطفي.. باحث ومحلل سياسي.