فالآخر اليوم أصبح مقدسا ولايجوز نقده بحال. فالآخر من دعاة الإباحية ونشر الشذوذ الجنسي والدعوة إلى النسوية ومن يزعم التنوير لا يستطيع احتمال النقد. فأصبح النقد لهذه الموضوعات "دعشنة" حتى تماهى هؤلاء مع مروجي دعاة العداء للسامية. فمن يتحدث عن إجرام المحتل لفلسطين أصبح معاديا للسامية.فاصبح الاحتلال محميا باسم العداء للسامية. فالطالبة اليمنية التي تحدثت عن جرائم الاحتلال خلال كلمتها في حفل التخرج في جامعة مدينة نويورك، وضعت تحت مجهر المنظمات الصهيونية التي تزعم أنها تحارب اللاسامية وواقع الحال أنها تدافع عن الاحتلال. كما دعا أعضاء كونغرس من المتصهينين إلى إلى إغلاق الجامعة. وأمس في حفل تخرج مدرسة ال كامنو ثانوية تحدثت جنى أبو لبن عن جرائم الاحتلال، وبذلك أصبحت معادية للسامية في نظر جريدة نيويورك بوست ذات التوجهات العنصرية ضد العرب والمسلمين، وكل من يتحدى الرواية الصهيونية لما جرى ويجري في فلسطين.
فمجرد الحديث عن القنابل والصواريخ والقتل اليومي الذي يمارسه المغتصب الصهيوني، أصبح محرما وجريمة كراهية في أمريكا خصوصا والغرب عموما، ولا ندري إن كان سينتقل ذلك إلى بلاد العربان التي تعدوعدوا لمصافحة المحتل والاحتفال باغتصابه أرض العرب و المسلمين.
أما الاستهزاء بنبي الإسلام وقيم المسلمين فليس هناك قانون يطبق على أولئك. واليوم نجد نفس الممارسات. فحداثيو العرب وزاعمو التنوير وجدوا ضالتهم في منظمات إجرامية ليجعلوا هجومهم على كل ما إسلامي مبررا. فمن دعا إلى الجهاد فهو إرهابي، ومن دعا إلى تطبيق الشريعة فهو متخلف ورجعي، بل ربما اتهم بأنه متحدث باسم الدواعش. ومن يستعرض مقالات في مواقع يسارية وعلمانية يرى هبوطا وانحدار في اللغة يأنف منها كل حر. فلا غرابة في أن تجد استهزاء بالنبوة والقيم النظيفة والاخلاق السامية باسم محاربة جرائم الشرف، والدعوة إلى حرية مطلقة تجعل من الشذوذ حرية فردية لايجوز بحال نقده أو حتى مناقشة المصائب المترتبة عليه.
هذا الخلل في النظرة إلى الآخر الذي لا تعجبه ممارسات تعد من وجهة نظره مخالفة لقيمه ودينه، جعل كل ما زعمونه من احترام الآخر كذبة لا تحتمل. وعندنا هنا في الأردن مجموعة قليلة تفتح لها الصحف ومحطات التلفزة أبوابها بأوامر من جهات معروفة تعتبر أن الهجوم على المسلمات والقيم "توازنا" ، هذه الفئة المتنمرة على المجتمع المسلم لا تتردد في استخدام نفس الأساليب التي يستخدمها نظراؤها في الغرب أو الشرق.
إن من سمات خطاب الصدى والتقليد الحداثي العربي الذهاب بعيدا في البذاءة والشتم والاستهانة بمقدسات المسلمين فقط. فهم لا يجرؤون على نقد اصحاب الملل التي تقبر المراة حية مع زوجها الميت، ويشربون بول البقر ويتناولون "فضلات الابقار"، بل لم يتردد ابراهيم عيسى بالتغزل بالبقر نكاية بالمسلمين الذن يعمل عباد البقر على اجتثاثهم من ديارهم.أما نقد كهنة ورجال دين يشرعنون قتل المسلمن في بورما وكشمير وفلسطين فهو حرام وسلوك عنصري عندهم لأن ذلك يدخل في احتقار الآخر وازدراء ملته.
وفي الفضاء العربي يسكت الحداون ومن سار في ركابهم عن كل من كان سببا فيما تعانيه الشعوب العربية من ظلم وتمكين للاستبداد وترك البلاد تسير نحو الهاوية اقتصاديا وقيميا وسياسيا. بل إنهم لايترددون في شحذ أسلحتهم وإشهارها في وجه كل من ينادي بإنهاء الظلم والاستبداد. واستداروا استدارة كاملة فهم يكيلون المديح لكل من خرج على دين الأمة وقيمها خاصة ممن كانوا ينعتونهم بالرجعيين، وشاربي بول البعير، وبناة مدن الملح.
وللأسف يغتر بعض الشباب من الجنسين بمعسول الكلام والعبارات المنمقة حول حقوق المرأة والشاذين وغيرهم، فيظنون أن هذا هو الحق، ويقعون في حبائل كذبهم وينشطون في منظماتهم المدعومة من السفارات والمنظمات الدولية التي تعادي كل ما هو عربي إسلامي.
إن مهمة المثقف المسلم أن يبين للناس غايات تلك الفئة وأهدافها واساليبها. فغايتها الحقيقة هي تقديم رؤية إلحادية لا تقيم لعقيدة الإسلام وشريعتة وزنا، وأهدافها صياغة عقول الشباب المسلم صياغة غربية كاملة، مستخدمة أساليب متطورة، ومتسلحة بتقنيات عالية تغري الشباب باقبول ذلك الخطاب، مقابل خطاب إسلامي يقوم بشكل عام على إثارة الخلافات العقدية والفقهية والحزبية، ويركز على الفرعيات، ويخلو من رؤية قرآنية تسمو بشباب الأمة وتوجههم إلى فهم وظيفتهم في الحياة.
إن من الضروري أن يقدم الدعاة والعلماء و المفكرون المسلمون اليوم خطابا يحمل مضامين ومحتوى يصاغ بلغة سهلة يسيرة تناسب العصر، وتبتعد عن الخلافات الفقهية والعقدية والحزبية. خطاب يتسع لكل المسلمين دون إقصاء أو تهميش باسم الفرقة الناجية والانتماء إلى السلف، ممزوج بشعور الاستعلاء على المسلم والتمييز ضد من يختلف عنهم في فرعيات فقهية وعقدية اتسع لها االإسلام على مر العصور.