فحصول مسلم على شهادة في الشريعة لا يعني بالضرورة أنه عالم. فقد يكتفي بعض أولئك بالإمامة أوالوعظ والتدريس في المدارس والمساجد. ومنهم من يذهب بعيدا فيحصل على شهادة عليا ويجد ويجتهد في تحصيل العلم الشرعي.
وقد حاول بعض النقاد تجريد العلماء من هذا اللقب بحجج واهية، ولجهلمهم بمعنى كلمة علم ظانين أن العلم هو ما اقتصر على العلوم الطبيعية، وهذا غلط فاحش. فالعلم في التعريف هو أسلوب منهجي قائم على بناء معرفة تؤدي إلى تحقيق الخير للإنسان. وفما قيمة علم همه تدمير الإنسان وقيمه وأخلاقه؟ وليس كل علم يقوم على فرضيات ويتم اختبارها في الميدان أو المختبر. فهناك علوم نظرية وأخرى تطبيقية. فالعلوم التطبيقية لها خصائص ووظائف تختلف عن العلوم النظرية خاصة العلوم الاجتماعية والإنسانية وعلوم الدين. فمن يحاول قصر العلم على علوم الطبيعة فهو بالتأكيد لايعرف مقاصد العلوم ووظائفها وخصائصها.
ولأن بعض الذين كتبوا في نقد علوم الدين كأصول الفقه وعلوم الحديث وعلوم القرآن لا يعرفون تاريخ نشأة هذه العلوم والظروف والأسباب التي أدت إلى نشوئها، بل أكثر من ذلك، فهم لا يعرفون مناهج البحث وقواعده في تلك العلوم، لذلك فلجهلهم في ذلك كله لا يتورعون عن النقد متأسين بمن حاول ويحاول التقليل من شأنها، والحط من أهلها.
يعلم كثير من هؤلاء النقاد و المشككين بدور العلماء أن علماءنا على مر العصور كانوا منارات لهذه الأمة، بينوا لهم وصدعوا بالحق، فنالهم الاذى فسجنوا وشرّدوا وماتوا في سبيل الله. وما اراه أن معظم الناقدين يجهلون كثيرا من الحقائق حول دور العلماء في تقدم الأمة وتحررها في فترات كثيرة من الاستبداد و الظلم. فقد وقفوا في وجوه الولاة المستبدين، وقدموا علوما لا ينكرها إلا من كان على قلبه غشاوة. وهم من قاد حروب الاستقلال في بلاد العرب و المسلمين على مر العصور. فليتق الله هؤلاء وليتدبروا ويفكروا عسى الله أن ينير بصائرهم.
وفي ذات الوقت وجدنا فئة من حملة العلم الشرعي فمنم من يقدم الفتاوى للظلمة والمستبدين والقتلة، ومنهم من خدم الاستعمار والمستعمرين، ومنهم من قبض ثمن سكوته عن الحق مناصب وأموالا. وهؤلاء طواهم التاريخ ونسيهم الناس، وبقي العلماء الربانيون منارات في ذاكرة الأمة.
إن المطلوب من علماء الشريعة اليوم كثير، وأول المطلوب أن يتقوا الله في الأمة، ويتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتهم وكذلك العلماء و الدعاة والفقهاء الذين قدموا أرواحهم وزهدوا في الدنيا من أجل أن تبقى كلمة الله هي العليا، وليعلموا أيضا أن ما يقدمونه من علوم وفتاوى محسوبة إما لهم فتكون الأجور مضاعفة لهم، أو وزرا عليهم لا قدر الله.
إن العالم الحق هو الذي يبحث ويجد في فهم الواقع وظروف الناس وأحوالهم، ويدرك خطر ماقد يقع فيه من توهين للدين في نظر العامة إذا حاد عن الطريق فزيّن للظالم ظلمه، وداهنه على فعله، وسكت عما يصيب الناس من العنت والابتعاد عن الدين بسبب تلك الفتاوى "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" "ودوا لو تدهن فيدهنون". والمبالغة في البحث في فرعيات وتتبعها يصرفهم عن رؤية الصورة الكلية للدين، ويجعلهم اسرى لتلك العقيلة التي لا تستطيع الاجتهاد ولا تراعي أحوال الناس.
إن العالم الحق متواضع لله وللناس، فيصبر على جهلهم وأخطائهم، ولايرى نفسه وصيا عليهم، فالدعوة إلى الله واحد "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وليبتعد عن وصم كل من قصّر في التدين أو أخطأ في حق الدين بكلمات وعبارات مسمومة تكون سببا في الابتعاد عن دين الله.
لقد أصبح التدين لدى كثير من المسلمين مقصورا على بعض الشعائر والبحث عن "الغنائم الباردة" بعيدا عن الجد في أخذ الدين "يا يحيي خذ الكتاب بقوة"،وحدث انفصام واضح بين أداء الشعائر والسلوك اليومي لكثير من المتدينين، فدفع بعض الناس إلى الزهد في الدين واتهام المتدينين بشتى التهم، بل ربما وصل بعضهم إلالحاد في الدين.
إنني أدعوا إخواني المسلمين أن يقفوا مع علمائهم، وأن يدافعوا عنهم، وأن يكونوا سندا لهم، حتى لا تتخطفهم ايدي الظالمين بمنعهم من القيام بدورهم على أكمل وجه. ومن وجد خطأ فليكن ناصحا لا مشنعا ولا مستهزءا ولا ساخرا "لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم". والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.