الديمقراطية الغربية والأزمة الأخلاقية

الدكتور صالح نصيرات

  • الجمعة 08, مارس 2024 07:54 ص
  • الديمقراطية الغربية والأزمة الأخلاقية
الديمقراطية كلمة برّاقة تغري الكثيرين بالمناداة بها، وهي في نفس الوقت مفهوم خرج من الإطار السياسي ليمتزج بكل الممارسات الإنسانية في فضاء الحياة الواسع. فمن تحلى بالموضوعية واحترام الآخر وتقديم السلم على العنف ونادى بالحرية فهو ديمقراطي، والويل كل الويل لمن يعاديها ويطالب بمفهوم يحل محلها.

ولأن الغرب "مخترع" الديمقراطية فهو الأحق بها، وهو من يحدد معاييرها. فتصبح الممارسات الإنسانية  خاضعة لمعايير فلسفة أحادية لها رؤيتها للحياة والعالم. وكل من يخرج على تلك المعايير فهو معاد للإنسان ومنتهك لحقوقه. 
وقد يقول قائل بأن المشكلة ليست في المفهوم نفسه، ولكن في الممارسات التي تتلفع بعباءة ذلك المفهوم. وهذا صحيح نسبيا.
والديمقراطية في الغرب اصبحت "إلها" يُعبد من دون الله، لأنها تقرر للإنسان مصدر التشريع وطريقة ممارسته والأخذ به في الحياة. ففرض الشذوذ وتغيير الجنس والجندرة حالة ديمقراطية، واتهام الناس بالعداء لليهود حالة ديمقراطية، وتخويف كل من يقف إلى جانب الفلسطينيين حالة ديمقراطية، ودولة الإجرام الصهيوني دوحة الديمقراطية.
فهل صمدت الديمقراطية الغربية في وجه العواصف و الأحداث والمآسي التي حلت بالبشرية من ممارسات دعاة الديمقراطية؟ وهل يمكن القول بأن الديمقراطية اليوم على مستوى الممارسة تعيش أزمة أخلاقية حقيقة من خلال جعلها مجرد "شماعة" يستغلها الغرب الاستعماري لتحقيق مآربه؟
الأصل في الديمقراطية أنها وسيلة لاختيار الحاكم بطريقة شرعية ومن خلال منافسة شريفة،  ومنح الإنسان حرية الاختيار .
في الديمقراطيات يقوم الشعب بدور الاختيار. وعندما يختار الحاكم فإنه يصبح مفوضا من قبل الشعب بالعمل على إسعاد شعبه وتحقيق الرفاهية. ومن حق الشعب سحب ذلك التفويض متى وجد أن هذا الحاكم لا يحقق أهداف الشعب في حياة كريمة.
وقد شهدنا خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين والأولى من قرننا الحالي ما يفيد بأن الحاكم والسلطة التنفيذية والتشريعية تتجاوز تفويضها، وتنتهك حقوق من انتخبها بشكل سافر.
فخلال التسعينيات رأينا الحرب على مسلمي البوسنة ومجازر رواندا والحرب الظالمة على العراق وحصار السودان وليبيا. وفي ذات الوقت رأينا الشعوب الغربية تنتفض في مظاهرات مليونية ومواقف احتجاجية ورفض لسياسات من انتخبته تلك الشعوب، ولكن لم تلق تلك المظاهرات و الاحتجاجات و المطالبات ادنى استجابة، بل وقت على آذان مغلقة وعيون مغلقة عن رؤية الحقيقة. فوقعت المجازر ومات من مات وسار القتلة بالمشاركة في صلوات الجنائز وتقبل العزاء بمآسي الشعوب المقهورة.
وتعود نفس الظاهرة في كل مأساة إنسانية. فتتحول المؤسسات التي أنشئت لتحقيق السلم العالمي لتصبح أداة لتنفيذ الجريمة بحق الإنسان.
فالملايين من الغربيين وغيرهم خرجوا في مظاهرات حاشدة، وتواصلوا مع نوابهم وتحدثوا إلى رؤسائهم ، واحتجوا على ما يقدمون من آلات الدمار و القتل بحق أهل غزة ولكن الساسة "الديمقراطيين" لم يعيروا تلك الملايين اهتماما، ولم يتوقفوا ليسمعوا لناخبيهم، بل مارسوا جرائم "بالمشاركة" من خلال محاولاتهم الفجة و المستمرة لتجريد الفلسطيني من حقه في حياة كريمة، ومن حقه في الدفاع عن نفسه في وجه نازية جديدة تسحق أمامها كل ما تسطيع، تقتل بالآلة الغربية وبحق النقض وبالسكوت على الجرائم، ومنع الناس من مذيعين وصحفيين وحتى نواب من أصحاب الضمائر ان يمارسوا حقهم الديمقراطي في التعبير عن رفضهم لجرائم النازي الجديد. فاصبح فصل الصحفيين طبيعيا، وتشويه كل من وقف ضد جريمة الإبادة المنظمة في غزة بالعداء لليهود باسم العداء للسامية، ولم تكتف بذلك، بل مارست الديمقراطية الغربية سلوكيات متوحشة بالضغط والتهديد و الوعيد لكل من تسول له نفسه تقديم مساعدة حقيقة لأهل غزة، دون أدنى شعور بذنب أو وخزة من ضمير.
إن حقيقة الديمقراطية الغربية كما مارسها الزعماء وأصحاب المصالح اصبحت على المحك. وهذا يعني ببساطة أن الدكتاتورية التي مارسها الغرب من خلال الضغط والتهديد والوعيد هي بديل لديمقراطية مزعومة. لقد قال سيد قطب شهيد الكلمة يوما ما معناه  أن الديمقراطية الغربية سلعة محتكرة للغرب وحده ليس من حق أحد أن يمارسها، فهي للرجل الابيض دون غيره. وها نحن نرى ذلك عيانا. وتجاوزت ذلك لتصبح يلعةأصحاب المصالح فقط. فهل يدرك ساسة الغرب ومفكروه ومثقفوه عظم الجريمة التي يرتكبونها بحق الإنسان في غزة وغيرها عندما يهللون للقتل والمجازر باسم المحافظة على السلم والسلام؟؟؟