من الزنازين إلى الشمس
يسري الغول
في أعقاب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، بدأ الاحتلال الصهيوني بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين خرجوا في حالة يُرثى لها، بعد أن تعرّضوا لتجويعٍ ممنهج وضربٍ وتكسيرٍ وتعذيبٍ متواصل.
وقد انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو مُسرّب من سجن سديه تيمان، يُظهر انتهاكًا مروّعًا بحق أحد الشبان الأسرى لا يتجاوز عمره الثامنة عشرة، في تجاوزٍ كاملٍ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة اللتين تكفلان حقوق الأسرى.
يأتي ذلك وسط تجاهلٍ رسميٍّ عربيٍّ واضح، إذ باتت بعض الأنظمة تؤدي دور الوسيط غير النزيه، بحثًا عن رضا القوى الغربية.
قبل أيام قليلة، سلّمت قوات الاحتلال أكثر من مئةٍ وعشرين جثةً لشهداء فلسطينيين اختُطفوا من داخل القطاع، وقد ظهرت على عددٍ من الجثامين آثار شنقٍ وإطلاق نارٍ من مسافاتٍ قريبة. كما وُجدت أيدٍ وأقدامٌ مربوطة بمرابطٍ بلاستيكية، في مشهدٍ يوثّق حجم التعذيب غير الإنساني الذي تعرّض له الضحايا، فيما بدت ملامح بعضهم مشوهة نتيجة استخدام أدواتٍ حديدية وكهربائية أثناء التعذيب.
وهنا يبرز السؤال: أين مؤسسات حقوق الإنسان؟
أم هي ازدواجية المعايير؟
وما موقف السلطة الفلسطينية التي لم تُصدر حتى بيان إدانة لتلك الجرائم؟ ليس منذ بداية الحرب فقط، بل منذ سنوات طويلة، خاصةً بعد أن ألغت وزارة الأسرى لتصبح مجرد هيئة؟
ثم أين الوسطاء؟
وماذا لو كانت حركة حماس قد سلّمت بعض الأسرى الإسرائيليين مقتولين أو مشنوقين؟
هل كانت الصفقة ستمرّ؟
وهل كانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ستصمت كما تصمت اليوم؟
على الرغم من وضوح النصوص القانونية، فإن غياب المحاسبة الدولية جعل دولة الاحتلال تتعامل مع القانون الدولي بفوقية، وكأنه مجرد توصيات اختيارية. فبدلًا من فرض العقوبات كما حدث مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، أو تشكيل لجان تحقيق مستقلة كما جرى في بلدانٍ أخرى، يكتفي العالم ببيانات "القلق" التي اعتدنا سماعها من الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
في الأثناء، يدفع الأسرى الفلسطينيون وعائلاتهم الثمن.
فقد كان ينبغي على مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية تفعيل ولاياتهما القانونية وفتح تحقيقاتٍ جدّية حول تلك الانتهاكات، ومطالبة دولة الاحتلال باحترام التزاماتها كقوة احتلال بموجب القانون الدولي.
الأمر الآخر الذي جرى تجاهله عالميًا هو الاعتقال التعسفي للأطفال.
فاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 تحظر اعتقال الأطفال إلا كملاذٍ أخير، وتُلزم الآسرين بتوفير محامين ورعاية نفسية وتعليمية، لكن ذلك لا يتحقق في الحالة الفلسطينية، حيث يواصل الاحتلال اعتقال آلاف الأطفال من دون تهمٍ أو محاكمة، في انتهاكٍ واضح للمادة (37) من الاتفاقية.
أبرز مثالٍ على ذلك الطفل أحمد مناصرة، الذي أصبح أيقونة للحرية بعد سنواتٍ من الاعتقال والتعذيب، حتى بات يعيش في عزلةٍ تامة بسبب ما تعرّض له.
وكالعادة، يتساءل الفلسطيني:
هل يمكن تنفيذ البند السابع ضد "إسرائيل"؟
بمعنى: التدخل العسكري للإفراج عن الأطفال والنساء؟
رغم يقين الجميع في غزة أن العالم متواطئ بصمته، وعاجز عن تطبيق القوانين التي يستخدمها ضد دول العالم الثالث، لتبرير الاستعمار والسيطرة على مقدرات الشعوب.
إن ما جرى من انتهاكاتٍ بحق الأسرى والشهداء الفلسطينيين يضع المجتمع الدولي أمام اختبارٍ حقيقي لضميره الإنساني.
فغياب تطبيق القانون يشجع كل احتلال على الإفلات من العقاب.
ومن سمح للاحتلال الصهيوني بارتكاب هذه الفظائع، لن يمنع غيره من تكرارها، مما ينذر بتحويل هذا العالم إلى غابة.
لذلك، على الأمم المتحدة أن تُفعّل آليات التحقيق والمساءلة، وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن تفتح ملفات جرائم الحرب بحق الأسرى والمحتجزين، من دون خضوعٍ للضغوط السياسية. فما زال داخل سجون الاحتلال عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب والتجويع الممنهج، بينما تُمنع الجهات الرقابية من الوصول إليهم لحمايتهم من الموت البطيء.
باختصار، سيظل الأسرى الفلسطينيون، أحياءً أو شهداء، شهودًا على فشل العدالة الدولية وازدواجية المعايير، ونموذجًا للصمود والتمسّك بالموقف الوطني المشرّف، فيما يواصل أبناء اللغة والدين والمذهب صمتهم عن نصرة إخوانهم الذين ذاقوا أبشع صنوف التعذيب في سجون الاحتلال الصهيوني حتى لحظة كتابة هذا المقال.
يسري الغول
في أعقاب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، بدأ الاحتلال الصهيوني بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين خرجوا في حالة يُرثى لها، بعد أن تعرّضوا لتجويعٍ ممنهج وضربٍ وتكسيرٍ وتعذيبٍ متواصل.
وقد انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو مُسرّب من سجن سديه تيمان، يُظهر انتهاكًا مروّعًا بحق أحد الشبان الأسرى لا يتجاوز عمره الثامنة عشرة، في تجاوزٍ كاملٍ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة اللتين تكفلان حقوق الأسرى.
يأتي ذلك وسط تجاهلٍ رسميٍّ عربيٍّ واضح، إذ باتت بعض الأنظمة تؤدي دور الوسيط غير النزيه، بحثًا عن رضا القوى الغربية.
قبل أيام قليلة، سلّمت قوات الاحتلال أكثر من مئةٍ وعشرين جثةً لشهداء فلسطينيين اختُطفوا من داخل القطاع، وقد ظهرت على عددٍ من الجثامين آثار شنقٍ وإطلاق نارٍ من مسافاتٍ قريبة. كما وُجدت أيدٍ وأقدامٌ مربوطة بمرابطٍ بلاستيكية، في مشهدٍ يوثّق حجم التعذيب غير الإنساني الذي تعرّض له الضحايا، فيما بدت ملامح بعضهم مشوهة نتيجة استخدام أدواتٍ حديدية وكهربائية أثناء التعذيب.
وهنا يبرز السؤال: أين مؤسسات حقوق الإنسان؟
أم هي ازدواجية المعايير؟
وما موقف السلطة الفلسطينية التي لم تُصدر حتى بيان إدانة لتلك الجرائم؟ ليس منذ بداية الحرب فقط، بل منذ سنوات طويلة، خاصةً بعد أن ألغت وزارة الأسرى لتصبح مجرد هيئة؟
ثم أين الوسطاء؟
وماذا لو كانت حركة حماس قد سلّمت بعض الأسرى الإسرائيليين مقتولين أو مشنوقين؟
هل كانت الصفقة ستمرّ؟
وهل كانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ستصمت كما تصمت اليوم؟
على الرغم من وضوح النصوص القانونية، فإن غياب المحاسبة الدولية جعل دولة الاحتلال تتعامل مع القانون الدولي بفوقية، وكأنه مجرد توصيات اختيارية. فبدلًا من فرض العقوبات كما حدث مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، أو تشكيل لجان تحقيق مستقلة كما جرى في بلدانٍ أخرى، يكتفي العالم ببيانات "القلق" التي اعتدنا سماعها من الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
في الأثناء، يدفع الأسرى الفلسطينيون وعائلاتهم الثمن.
فقد كان ينبغي على مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية تفعيل ولاياتهما القانونية وفتح تحقيقاتٍ جدّية حول تلك الانتهاكات، ومطالبة دولة الاحتلال باحترام التزاماتها كقوة احتلال بموجب القانون الدولي.
الأمر الآخر الذي جرى تجاهله عالميًا هو الاعتقال التعسفي للأطفال.
فاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 تحظر اعتقال الأطفال إلا كملاذٍ أخير، وتُلزم الآسرين بتوفير محامين ورعاية نفسية وتعليمية، لكن ذلك لا يتحقق في الحالة الفلسطينية، حيث يواصل الاحتلال اعتقال آلاف الأطفال من دون تهمٍ أو محاكمة، في انتهاكٍ واضح للمادة (37) من الاتفاقية.
أبرز مثالٍ على ذلك الطفل أحمد مناصرة، الذي أصبح أيقونة للحرية بعد سنواتٍ من الاعتقال والتعذيب، حتى بات يعيش في عزلةٍ تامة بسبب ما تعرّض له.
وكالعادة، يتساءل الفلسطيني:
هل يمكن تنفيذ البند السابع ضد "إسرائيل"؟
بمعنى: التدخل العسكري للإفراج عن الأطفال والنساء؟
رغم يقين الجميع في غزة أن العالم متواطئ بصمته، وعاجز عن تطبيق القوانين التي يستخدمها ضد دول العالم الثالث، لتبرير الاستعمار والسيطرة على مقدرات الشعوب.
إن ما جرى من انتهاكاتٍ بحق الأسرى والشهداء الفلسطينيين يضع المجتمع الدولي أمام اختبارٍ حقيقي لضميره الإنساني.
فغياب تطبيق القانون يشجع كل احتلال على الإفلات من العقاب.
ومن سمح للاحتلال الصهيوني بارتكاب هذه الفظائع، لن يمنع غيره من تكرارها، مما ينذر بتحويل هذا العالم إلى غابة.
لذلك، على الأمم المتحدة أن تُفعّل آليات التحقيق والمساءلة، وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن تفتح ملفات جرائم الحرب بحق الأسرى والمحتجزين، من دون خضوعٍ للضغوط السياسية. فما زال داخل سجون الاحتلال عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب والتجويع الممنهج، بينما تُمنع الجهات الرقابية من الوصول إليهم لحمايتهم من الموت البطيء.
باختصار، سيظل الأسرى الفلسطينيون، أحياءً أو شهداء، شهودًا على فشل العدالة الدولية وازدواجية المعايير، ونموذجًا للصمود والتمسّك بالموقف الوطني المشرّف، فيما يواصل أبناء اللغة والدين والمذهب صمتهم عن نصرة إخوانهم الذين ذاقوا أبشع صنوف التعذيب في سجون الاحتلال الصهيوني حتى لحظة كتابة هذا المقال.