مقابر القدس: جبهة مُهمَلة في معركة التهويد
علي ابراهيم
يمكن وصف مخططات تهويد القدس والأقصى بأنها حربٌ صامتة ومتدرجة، تسعى من خلالها سلطات الاحتلال إلى السيطرة شبه الكاملة على المدينة المحتلة، وتزييف كل ما تضمنه من معالم وأماكن ورموز، وما يتصل بها من محاولات فرض الوجود اليهودي في الأقصى، والاستيطان واستهداف حياة المقدسيين، وتشكل بعض مساحات التهويد، فرصة لسلطات الاحتلال للمضي قدمًا في السيطرة على أجزاء من المدينة المحتلة، من دون كثير عناء، وتشكل مقابر القدس المحتلة، واحدة من هذه المساحات التي تعرضت خلال السنوات الماضية إلى محاولات مكثفة من قبل سلطات الاحتلال للسيطرة عليها، وتجريفها، وبناء المشاريع التهويديّة مكانها، لما تمتلكه من مساحات قريبة من البلدة القديمة، وقرب المسجد الأقصى، إلى جانب ما تشكله من شواهد تاريخيّة وحضاريّة مهمة.
الأهمية التاريخية والدينية للمقابر
حظيت مدينة القدس بمكانة تاريخية ودينية وحضارية بالغة الأهمية، وقد ترسخت هذه المكانة مع الفتح الإسلامي للمدينة عام 636 م على يد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنذ ذلك التاريخ، استقطبت المدينة عددًا كبيرًا من الصحابة والتابعين والأعلام، فتحول المسجد الأقصى لمنارة علمية وحضارية. وقد استقر في القدس عدد من الصحابة حتى وفاتهم، على غرار الصحابيين الجليلين عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما، وتوجد قبورهما حتى اليوم قرب السور الشرقي للمسجد الأقصى، في مقبرة باب الرحمة. كما زار المدينة واستقر بها عدد من العلماء الأجلاء، مثل الإمام أبي حامد الغزالي الذي اعتكف في الأقصى، واستمر الاهتمام بالقدس في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية، حيث شهدت حركة عمرانية وعلمية نشطة، وهو ما انعكس على ما تضمه هذه المقابر، حيث دفن فيها من العلماء والوجهاء والصالحين، والأعلام، أعدادٌ كبيرة جدًا، خلال مئات الأعوام الماضية.
تعريف بمقابر القدس الإسلامية
تضم القدس خمس مقابر إسلامية، وقد تعرضت مقبرتا مأمن الله والنبي داود للسيطرة الإسرائيلية بشكل جزئي أو كلي، ما حصر دفن المقدسيين في المقابر الأخرى فقط، أما المقابر الإسلامية فهي:
- مقبرة مأمن الله: أكبر مقابر القدس الإسلامية، أطلق عليها عدة تسميات، من بينها مقبرة باب الله وزيتونة الملّة، تقع المقبرة على بعد 2 كيلومتر من باب الخليل غربي البلدة القديمة، تقدَّر مساحتها بنحو 200 دونم، كانت المقبرة الرئيسة لدفن وفيات المسلمين منذ الفتح الإسلامي وحتى عام 1927، تحتوي المقبرة على قبور العديد من العلماء والأعلام، من بينهم أكثر من 121 قبرًا لشيخ وقاضٍ.
- مقبرة باب الرحمة: تقع المقبرة عند السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، وتصل مساحة المقبرة إلى نحو 23 دونمًا، وتمتد من باب الأسباط بطول 261 مترًا ملاصقةً لأسوار الأقصى من الجهة الجنوبية الشرقية حتى منطقة القصور الأموية، وتضمّ المقبرة عددًا من قبور الصحابة الكرام، من بينهم قبري عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما، بالإضافة إلى شهداء سقطوا خلال الفتحين العمري والصلاحي للمدينة، ودفن فيها عددٌ من كبار علماء فلسطين والقدس.
- مقبرة المجاهدين: تسمى مقبرة الساهرة، تقع على بعد أمتار من باب الساهرة، وهي من مقابر القدس التاريخيّة تقع عند سور المدينة من الشمال، سميت بالمجاهدين لدفن شهداء الفتح الصلاحي فيها.
- مقبرة اليوسفية: تقع هذه المقبرة من الجهة الشمالية الشرقية لسور القدس، تقع مقابل مقبرة باب الرحمة، على يمين الداخل إلى الأقصى من جهة باب الأسباط، سميت بـ"اليوسيفية" نسبة للناصر صلاح الدين يوسف الأيّوبي.
- مقبرة النبي داود: تقع على جبل "صهيون"، في الحي المعروف بالنبي داود، تتضمن المقبرة ثلاثة أقسام خصصت جميعها لدفن أسرة "الدجاني"، وخلال العصر الراهن لم تعد المقبرة مُستخدمة، بعد منع سلطات الاحتلال المقدسيين من دفن أمواتهم فيها".
أساليب التهويد والسيطرة على المقابر
تستخدم سلطات الاحتلال مجموعة من الأساليب الممنهجة للسيطرة على المقابر الإسلامية، وأول هذه الأساليب زرع القبور الوهمية، إذ يتم وضع آلاف القبور اليهودية الوهمية، من خلال استحداث حُفر صغيرة مزودة بقضبان حديدية وأسمنت وحجر عليه نجمة داود، ويتم تزوير شكلها لتظهر كأنها ذات طبيعة قديمة، وتهدف هذه القبور إلى تثبيت الرواية المخترعة، حول وجود يهودي دائم وقديم، إلى جانب طمس الهوية العربية والإسلامية. وقد تم زرع أكثر من 7000 قبر وهمي في القدس المحتلة بحسب بعض المصادر الفلسطينية.
وإلى جانب القبور الوهمية تعتدي أذرع الاحتلال بشكل مباشر على المقابر، وتقوم بنبش القبور، وتحطيم الأضرحة وغيرها، ويشمل ذلك هدم المقابر وتجريفها، وتكسير شواهد القبور، ونبش قبور المسلمين وإخراج الرفات، وجمعها في أماكن واحدة بشكلٍ لا يليق، وقد تعرضت مقبرة مأمن الله لتجريف وتدمير لعشرات القبور في 2010 و2011، كما تعرضت قبور في اليوسفية لعمليات تدمير ممنهجة، وشهدت مأمن الله نبش نحو 1500 قبر خلال خمسة أشهر في 2008 و2009، وتتعرض مقبرة باب الرحمة إلى اعتداءات شبه يومية، تشمل ما سبق، إلى جانب تدنيسها عبر وضع رأس حمار مقطوعة، وأداء الطقوس اليهوديّة العلنية داخلها.
ويُعدّ منع الترميم والدفن واحدًا من هذه الأساليب، إذ تعمل سلطات الاحتلال على منع ترميم القبور التاريخية وعرقلتها. وفي سياق التضييق، تم منع دفن أموات المقدسيين في أجزاء محددة من مقبرة باب الرحمة منذ عام 2007، وفي الجزء الشمالي من المقبرة اليوسفية منذ عام 2014. ويأتي الاستيلاء خطوة لاحقة للمنع والاعتداءات المتكررة، وتهدف من خلالها سلطات الاحتلال لتحويلها إلى حدائق ومشاريع استيطانية، تستهدف سلطات الاحتلال تحويل أجزاء من المقابر إلى "حدائق توراتية" (قومية أو وطنية)، تمهيدًا لتحويلها لاحقًا إلى مشاريع استيطانية ذات بعد سياحي تخدم الرواية التلمودية للاحتلال، وتستهدف مقبرة باب الرحمة ضمن مشروع "الحدائق التوراتية" الذي يمتد على مساحة إجمالية تصل إلى 1100 دونم، وتعد مشاريع البناء الاستيطاني في مقبرة مأمن الله نموذجاً لما يمكن أن تؤول إليه حال المقابر الأخرى.
خلفيات وأهداف استهداف مقبرة باب الرحمة
تتصاعد موجة الاعتداءات بشكل خطير على مقبرة باب الرحمة تحديداً، نظرًا لقربها من المسجد الأقصى، وما يتصل بموقعها في سياق استخدام الساحات الشرقية ومصلى باب الرحمة، ولا يعد استهدافها قرارًا عشوائيًا، بل حلقة في سلسلة تهويدية متواصلة، وتتمثل أهداف الاحتلال من استهداف مقبرة باب الرحمة في دعم مخطط تقسيم الأقصى، حيث يهدف إلى تحقيق السيطرة المباشرة والمكثفة على محيط المسجد الأقصى والقيام بالمزيد من الحفريات أسفل الجدار الشرقي للأقصى. وإزالة أي معالم تدل على الهوية العربية والإسلامية للمدينة. وفرض السيطرة على المقبرة بشكلٍ كامل أو أجزاء منها، لبناء مشروع بناء القطار الهوائي المعلق، الذي من المزمع أن تقام بعض منشآته على أجزاء من المقبرة. وفي السنوات الماضية تصاعد الاستهداف المباشر لهذه المقبرة، ففي نهاية عام 2023 علق مستوطنون "رأس حمار" مقطوعة على السور الخارجي للمقبرة، في سياق معتقدات دينية يهوديّة.
علي ابراهيم
يمكن وصف مخططات تهويد القدس والأقصى بأنها حربٌ صامتة ومتدرجة، تسعى من خلالها سلطات الاحتلال إلى السيطرة شبه الكاملة على المدينة المحتلة، وتزييف كل ما تضمنه من معالم وأماكن ورموز، وما يتصل بها من محاولات فرض الوجود اليهودي في الأقصى، والاستيطان واستهداف حياة المقدسيين، وتشكل بعض مساحات التهويد، فرصة لسلطات الاحتلال للمضي قدمًا في السيطرة على أجزاء من المدينة المحتلة، من دون كثير عناء، وتشكل مقابر القدس المحتلة، واحدة من هذه المساحات التي تعرضت خلال السنوات الماضية إلى محاولات مكثفة من قبل سلطات الاحتلال للسيطرة عليها، وتجريفها، وبناء المشاريع التهويديّة مكانها، لما تمتلكه من مساحات قريبة من البلدة القديمة، وقرب المسجد الأقصى، إلى جانب ما تشكله من شواهد تاريخيّة وحضاريّة مهمة.
الأهمية التاريخية والدينية للمقابر
حظيت مدينة القدس بمكانة تاريخية ودينية وحضارية بالغة الأهمية، وقد ترسخت هذه المكانة مع الفتح الإسلامي للمدينة عام 636 م على يد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنذ ذلك التاريخ، استقطبت المدينة عددًا كبيرًا من الصحابة والتابعين والأعلام، فتحول المسجد الأقصى لمنارة علمية وحضارية. وقد استقر في القدس عدد من الصحابة حتى وفاتهم، على غرار الصحابيين الجليلين عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما، وتوجد قبورهما حتى اليوم قرب السور الشرقي للمسجد الأقصى، في مقبرة باب الرحمة. كما زار المدينة واستقر بها عدد من العلماء الأجلاء، مثل الإمام أبي حامد الغزالي الذي اعتكف في الأقصى، واستمر الاهتمام بالقدس في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية، حيث شهدت حركة عمرانية وعلمية نشطة، وهو ما انعكس على ما تضمه هذه المقابر، حيث دفن فيها من العلماء والوجهاء والصالحين، والأعلام، أعدادٌ كبيرة جدًا، خلال مئات الأعوام الماضية.
تعريف بمقابر القدس الإسلامية
تضم القدس خمس مقابر إسلامية، وقد تعرضت مقبرتا مأمن الله والنبي داود للسيطرة الإسرائيلية بشكل جزئي أو كلي، ما حصر دفن المقدسيين في المقابر الأخرى فقط، أما المقابر الإسلامية فهي:
- مقبرة مأمن الله: أكبر مقابر القدس الإسلامية، أطلق عليها عدة تسميات، من بينها مقبرة باب الله وزيتونة الملّة، تقع المقبرة على بعد 2 كيلومتر من باب الخليل غربي البلدة القديمة، تقدَّر مساحتها بنحو 200 دونم، كانت المقبرة الرئيسة لدفن وفيات المسلمين منذ الفتح الإسلامي وحتى عام 1927، تحتوي المقبرة على قبور العديد من العلماء والأعلام، من بينهم أكثر من 121 قبرًا لشيخ وقاضٍ.
- مقبرة باب الرحمة: تقع المقبرة عند السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، وتصل مساحة المقبرة إلى نحو 23 دونمًا، وتمتد من باب الأسباط بطول 261 مترًا ملاصقةً لأسوار الأقصى من الجهة الجنوبية الشرقية حتى منطقة القصور الأموية، وتضمّ المقبرة عددًا من قبور الصحابة الكرام، من بينهم قبري عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما، بالإضافة إلى شهداء سقطوا خلال الفتحين العمري والصلاحي للمدينة، ودفن فيها عددٌ من كبار علماء فلسطين والقدس.
- مقبرة المجاهدين: تسمى مقبرة الساهرة، تقع على بعد أمتار من باب الساهرة، وهي من مقابر القدس التاريخيّة تقع عند سور المدينة من الشمال، سميت بالمجاهدين لدفن شهداء الفتح الصلاحي فيها.
- مقبرة اليوسفية: تقع هذه المقبرة من الجهة الشمالية الشرقية لسور القدس، تقع مقابل مقبرة باب الرحمة، على يمين الداخل إلى الأقصى من جهة باب الأسباط، سميت بـ"اليوسيفية" نسبة للناصر صلاح الدين يوسف الأيّوبي.
- مقبرة النبي داود: تقع على جبل "صهيون"، في الحي المعروف بالنبي داود، تتضمن المقبرة ثلاثة أقسام خصصت جميعها لدفن أسرة "الدجاني"، وخلال العصر الراهن لم تعد المقبرة مُستخدمة، بعد منع سلطات الاحتلال المقدسيين من دفن أمواتهم فيها".
أساليب التهويد والسيطرة على المقابر
تستخدم سلطات الاحتلال مجموعة من الأساليب الممنهجة للسيطرة على المقابر الإسلامية، وأول هذه الأساليب زرع القبور الوهمية، إذ يتم وضع آلاف القبور اليهودية الوهمية، من خلال استحداث حُفر صغيرة مزودة بقضبان حديدية وأسمنت وحجر عليه نجمة داود، ويتم تزوير شكلها لتظهر كأنها ذات طبيعة قديمة، وتهدف هذه القبور إلى تثبيت الرواية المخترعة، حول وجود يهودي دائم وقديم، إلى جانب طمس الهوية العربية والإسلامية. وقد تم زرع أكثر من 7000 قبر وهمي في القدس المحتلة بحسب بعض المصادر الفلسطينية.
وإلى جانب القبور الوهمية تعتدي أذرع الاحتلال بشكل مباشر على المقابر، وتقوم بنبش القبور، وتحطيم الأضرحة وغيرها، ويشمل ذلك هدم المقابر وتجريفها، وتكسير شواهد القبور، ونبش قبور المسلمين وإخراج الرفات، وجمعها في أماكن واحدة بشكلٍ لا يليق، وقد تعرضت مقبرة مأمن الله لتجريف وتدمير لعشرات القبور في 2010 و2011، كما تعرضت قبور في اليوسفية لعمليات تدمير ممنهجة، وشهدت مأمن الله نبش نحو 1500 قبر خلال خمسة أشهر في 2008 و2009، وتتعرض مقبرة باب الرحمة إلى اعتداءات شبه يومية، تشمل ما سبق، إلى جانب تدنيسها عبر وضع رأس حمار مقطوعة، وأداء الطقوس اليهوديّة العلنية داخلها.
ويُعدّ منع الترميم والدفن واحدًا من هذه الأساليب، إذ تعمل سلطات الاحتلال على منع ترميم القبور التاريخية وعرقلتها. وفي سياق التضييق، تم منع دفن أموات المقدسيين في أجزاء محددة من مقبرة باب الرحمة منذ عام 2007، وفي الجزء الشمالي من المقبرة اليوسفية منذ عام 2014. ويأتي الاستيلاء خطوة لاحقة للمنع والاعتداءات المتكررة، وتهدف من خلالها سلطات الاحتلال لتحويلها إلى حدائق ومشاريع استيطانية، تستهدف سلطات الاحتلال تحويل أجزاء من المقابر إلى "حدائق توراتية" (قومية أو وطنية)، تمهيدًا لتحويلها لاحقًا إلى مشاريع استيطانية ذات بعد سياحي تخدم الرواية التلمودية للاحتلال، وتستهدف مقبرة باب الرحمة ضمن مشروع "الحدائق التوراتية" الذي يمتد على مساحة إجمالية تصل إلى 1100 دونم، وتعد مشاريع البناء الاستيطاني في مقبرة مأمن الله نموذجاً لما يمكن أن تؤول إليه حال المقابر الأخرى.
خلفيات وأهداف استهداف مقبرة باب الرحمة
تتصاعد موجة الاعتداءات بشكل خطير على مقبرة باب الرحمة تحديداً، نظرًا لقربها من المسجد الأقصى، وما يتصل بموقعها في سياق استخدام الساحات الشرقية ومصلى باب الرحمة، ولا يعد استهدافها قرارًا عشوائيًا، بل حلقة في سلسلة تهويدية متواصلة، وتتمثل أهداف الاحتلال من استهداف مقبرة باب الرحمة في دعم مخطط تقسيم الأقصى، حيث يهدف إلى تحقيق السيطرة المباشرة والمكثفة على محيط المسجد الأقصى والقيام بالمزيد من الحفريات أسفل الجدار الشرقي للأقصى. وإزالة أي معالم تدل على الهوية العربية والإسلامية للمدينة. وفرض السيطرة على المقبرة بشكلٍ كامل أو أجزاء منها، لبناء مشروع بناء القطار الهوائي المعلق، الذي من المزمع أن تقام بعض منشآته على أجزاء من المقبرة. وفي السنوات الماضية تصاعد الاستهداف المباشر لهذه المقبرة، ففي نهاية عام 2023 علق مستوطنون "رأس حمار" مقطوعة على السور الخارجي للمقبرة، في سياق معتقدات دينية يهوديّة.