بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا بعد الاقتحام الكبير للمسجد الأقصى المُبارك؟؟
مرَّت أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة هذا العام ثقيلة جدًا على المسجد الأقصى المُبارك وعلى محبيه والمرابطين فيه، فقد توَّجت منظمات الهيكل المتطرفة جهودها الرامية لتهويد -ليس مدينة القدس- بل لتهويد المسجد الأقصى المُبارك بتنفيذ الاقتحام الكبير يوم 8 ذي الحجة الذي وافق يوم 18 يوليو الماضي، عبر تهديدات بتنفيذ هذا الاقتحام وتحشيدٍ كبيرٍ قامت به هذه المنظمات المتطرفة، وعبر تسهيلاتٍ وحمايةٍ مشدَّدةٍ من قوات الاحتلال بكل أذرعها من جيشٍ وشرطةٍ ومخابراتٍ وفرق مستعربين، ولم يتم هذا الاقتحام الكبير بالسرِّ، بل رافقه تغطية إعلامية كبيرة من المقتحمين وآلتهم الإعلامية بهدف دعوة غيرهم للقدوم والمشاركة بهذا العمل ومن المرابطين المتواجدين في المسجد الأقصى المُبارك الذين بثُّوا وصوَّروا هذا الاقتحام الخطير جدًا بهدف دعوة من يستطيع الوصول للمسجد الأقصى المُبارك للدفاع عنه ولإعلام من سيدَّعي لاحقًا أنَّه لم يعلم من زعامات الأمة وقياداتها.
وبتنفيذ هذا الاقتحام الكبير نقفُ فعلًا أمامَ مرحلةٍ جديدةٍ من تهويد المدينة المقدسة، بل وتهويد المسجد الأقصى المُبارك، وبالتالي لا بد من وِقفةٍ ضروريةٍ لاستشراف مستقبل اقتحامات المسجد الأقصى المُبارك وخطورة ما تمَّ بالفعل؛ ولرسم خارطة طريق جديدة تواكب مخططات منظمات العدو الصهيوني المجرم ومنظماته المنتسبة للهيكل المزعوم الذي لم يكن له وجود إلا في مخيَّلات الحاخامات المتطرفين وبعض نصوص توراتهم المحرفة، وقبل ذلك لا بد من الإجابةِ عن سؤالٍ مهمٍ جدًا :
ما هي الأهداف الكبيرة التي سعى المقتحمون لتحقيقها من خلال تنفيذهم لهذا الاقتحام الكبير؟؟؟
ولعلنا نجيب عن هذا السؤال الخطير بما يلي:
أولًا: يسعى الاحتلال بكل أذرعه لتغيير واقع الحال في منطقة المسجد الأقصى المُبارك واعتبار الأحداث الأخيرة أمرًا واقعًا سيتكرر بشكل دائم.
ثانيًا: تغيير الجغرافيا الدينية في المسجد الأقصى المُبارك لتنفيذ التقسيم المكاني بالفعل كمقدمة خطيرة لبناء الهيكل المزعوم.
ثالثًا: توجيه الأجيال اليهودية داخل المؤسسات اليهودية المختلفة، تحديدًا نحو القدس والمسجد الأقصى المُبارك، ولعلَّ ذلك يظهر بشكلٍ جليٍ من كثافة مشاركات طلاب المعاهد التوراتية في الاقتحامات شبه اليومية للمسجد الأقصى المُبارك، ومن حرص المستوطنين المتطرفين على اصطحاب عائلاتهم واطفالهم في الاقتحام الكبير يوم 18 يوليو الماضي.
رابعًا: تعويض الخسارة الكبيرة التي مُني بها الاحتلال بكل أذرعه -والمستوطنون المتطرفون هم أحد هذه الأذرع- بعد الفشل الذريع في تنفيذ الاقتحامات الكبيرة في رمضان الماضي والفشل في تسيير مسيرات الأعلام كما كان مخططًا لها، والفشل في السيطرة بشكل مطلق على منطقة باب العمود، والفشل في حسم وتنفيذ الإخلاء القسري لأحياء القدس كحي الشيخ جرَّاح وحي البستان وبطن الهوى في سلوان.
والآن يتبادر للذهن سؤالنا الأخطر: ماذا بعد تنفيذ الاحتلال لهذا الاقتحام الكبير؟؟
إن الإجابة عن هذا السؤال مؤلمةٌ للغاية، فالمسجد الأقصى المُبارك بعد هذا الاقتحام لن يكون كما كان قبله، فبعيدًا عن لغة العواطف؛
أولًا: هناك تغير حقيقي في موقف الأنظمة العربية الرسمية -بلا استثناء- بعد موجة التطبيع الأخيرة فهذه الأنظمة كلها باتت تتعامل مع قضية المسجد الأقصى المُبارك باعتبارها قضية ((إسرائيلية)) داخلية، وان أي موقف منها سيُعرضها لغضب السيد الأمريكي في بيتهم الأبيض.
ثانيًا: سيسعى الاحتلال بكل أذرعه لجعل تنفيذ هذه الاقتحامات الكبيرة أمرًا واقعًا ومقبولًا في المناسبات الدينية اليهودية-وما أكثرها- وذلك من خلال السعي لإنهاء الدور الأردني المهم جدًا في رعاية المقدسات والأوقاف في القدس المحتلة ومن خلال إظهار سيادته على القدس المحتلة والمسجد الأقصى المُبارك.
رابعًا: سيسعى الاحتلال أيضا لإظهار المساواة -مؤقتًا- بين المقدس اليهودي والمقدس الإسلامي؛ من خلال ما يفعله الاحتلال من منع الاقتحامات شبه اليومية يومي الجمعة والسبت من كلِّ أسبوع ومن خلال منع الاقتحامات في عيدي المسلمين الفطر والأضحى المُبارك.
خامسًا: سيظهر علينا بعض من يلبسون ثياب علمائنا وعمائمهم بفقه الواقع وتهوين تنفيذ هذه الاقتحامات وقد يذهب بعضهم لزيارة المسجد الأقصى المُبارك كما فعل غيرهم من قبل تحت حماية العدو الصهيوني لسحب البساط من تحت أرجل المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى المُبارك، ومن علماء الأمة الصادقين المخلصين لقضية القدس والمسجد الأقصى المُبارك.
وعليه فإنَّ المرحلة القادمة على القدس المحتلة والمسجد الأقصى المُبارك هي مرحلةٌ دقيقةٌ جدًا وخطيرةٌ جدًا كذلك، يتدافع فيها أهل الحقِّ في القدس والمسجد الأقصى المُبارك وهم المرابطون بكل وسيلة ممكنة في الدفاع عن المسجد الأقصى المُبارك سواءً كانوا في القدس المحتلة أو خارجها، في فلسطين المحتلة أو خارجها كذلك، مع أهل الباطل وهم الصهاينة العرب والعجم الذين لا يختلفون عن من ينفذ هذه الاقتحامات ومن يدنِّسون المسجد الأقصى المُبارك بشكلٍ شبه يومي، وسيستمر مسلسل الضغط على المرابطين والمرابطات من خلال الاستدعاء والإبعاد عن القدس والمسجد الأقصى المُبارك، ومن خلال استهداف كل من يعمل لقضية القدس والمسجد الأقصى المُبارك في الداخل المقدسي والفلسطيني بهدم بيته أو تهجيره وإبعاده أو من خلال الاعتقال الذي لا يعدم الاحتلالُ فيه لحجة حتى التكبير صار سببًا وتهمةً تمَّ عليه اعتقال بعض فتيان وزهرات القدس والمسجد الأقصى المُبارك.
ورغم قسوةِ المشهدِ المرتقبِ وصعوبتهِ الشديدة إلا أنَّ للبيت ربٌّ يحميه، وللقدس فتيانٌ أطيارٌ أبابيلٌ، وفي المسجد الأقصى المُبارك مرابطون ومرابطات وقفوا أعمارهم لخدمته وحمايته نيابة عن كل الأمة الإسلامية، وهناك شبابٌ مسلمٌ متوثبٌ في كل بلاد المسلمين ينتظرون دورهم، حين يوفقُ الله تعالى من يقود هذه الأمة نحو وحدتها ونحو تحرير مقدساتها، وفك قيد أسرانا والمسجد الأقصى المُبارك هم أعظم أسرانا لدى الاحتلال الصهيوني المجرم ويسألونك متى هو؟؟ قل عسى أن يكونَ قريبًا.
كتبه د. محمود سعيد الشجراوي
إسطنبول السبت 24 يوليو 2021 م