الطغاة يجلبون الغزاة
د. رامي عياصرة
مقولة على أغلب الأقوال أن عالم الاجتماع العربي المعروف ابن خلدون تطرق لها في كتابه الشهير “مقدمة ابن خلدون”.
ولكنها علاقة جدلية تحتاج الى مزيد من التأمّل، كيف يُصنع الطغاة حقاً ؟
هل هم جزء من الإفرازات الطبيعية للاجتماع السياسي ؟
أم هم صناعة تتشكل بطريقة متنحية عن ديناميكيات المجتمعات؟
سُئل الفيلسوف أرسطو ذات يوم: مَنْ يصنع الطغاة؟ فأجاب على الفور قائلا: ضعف المظلومين.
نعم، انه سكوت المظلومين واستكانتهم للاستعباد ورضاهم بحصتهم من القهر والتعسف وضياع الحقوق.
ربما يتحملون جزءا مهما من المسؤولية، فهم وإن ظهروا ضحية الطغيان إلا أنهم في تلك اللحظة من الصمت والاستكانة هم ظالمون ، ظالمون لأنفسهم وللأجيال التي ستأتي بعدهم. لأنهم بسكوتهم وضعوا المدماك الأول لصرح الطغيان الذي سيرتفع ويتعزز بمرور الأيام والسنين.
بحث عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الشهير ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) موضوع الاستبداد بتفاصيله مستعرضًا طبائعه وما ينطوي عليه من سلبيات تؤدي إلى خوف المسْتَبِدّ نفسه – لذلك تراه يهرب عن انكسار حاجز الخوف وسقوط ملكه – كما أنه يؤدي إلى استيلاء الجُبْن على رعيّته، إلى جانب انعكاسات الاستبداد على جميع نواحي الحياة الإنسانية، بما فيها: الدين والعلم والمجد والمال والأخلاق والترقّي والتربية والعُمْران.
وهو كتاب مبحرٌ في وصف الاستبداد ويكشف أدقّ خباياه ، فمثلا يقول : ” وصِفَةُ الاستبداد تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولَّي الحكم بالغَلَبة ( الانقلابات العسكرية ) أو الوراثة ( ولاية العهد ) – وهما مسألتان تناولهما مَن كتب و دوّن من فقهائنا الأقدمين في مسائل الحكم والسياسة واختلفوا فيها كثيرا- ، وتشمل أيضًا – والكلام للكواكبي – الحاكم الفرد المقيَّد المنتخب إذا أصبح غير مسئولاً، وتشمل حكومة المجموعة ولو منتخبة؛ لأنَّ الاشتراك في الرّأي لا يدفع الاستبداد، وإنَّما تغير نوعه، وقد يكون عند الاتّفاق أضرّ من استبداد الفرد”.
يُعرف الفيلسوف أرسطو الطغيان على أنه: صورة للحكم الفردي في ممارسة السلطة من دون رقيب أو حسيب، فهو بذلك يسبغ على نفسه صفات الألوهية، ولا يسمح لأحد بالتدخل في قراراته وشؤونه.
ويُقال أن أول من استعمل مصطلح “الطغيان” هم اليونانيون في منتصف القرن السابع قبل الميلاد، حيث أطلقوه على الملك “جيجز”.
قد يكون الطغيان أقدم من ذلك بكثير، لكن عصر الطغيان تم تدوينه بصورة رسمية في التاريخ اليوناني القديم الذي أطلق عليه مسمى “عصر الطغاة الإغريق”.
وقد عايش الكثير من فلاسفة اليونان مثل “افلاطون” و “أرسطو” حكم بعض الطغاة كأنظمة فاسدة، وفيما بعد ظهر الطغيان على أشده في بلاد الشرق حيث بلغ حد الطغيان لدرجة الألوهية والعبادة، إذ أن الطاغية كان يعتبر نفسه يمثل إرادة الشعب، ويستخف به ويستعبده، لدرجة ان أرسطو قال: “أن الشرقيين كانوا بطبيعتهم عبيد”.
بالرغم أن الطغيان ظاهرة عابرة للازمان والأمم والشعوب ولكنها حقيقة تبقى ماثلة على مرّ العصور، وجاثمة على صدور الشعوب، بالرغم من إجماع البشرية على سوئها وبشاعتها ومرارة نتائجها وسوء مآلاتها.
ويمثل الطغاة واحدة من أثافي الخراب الثلاث، وهم: الطّغاةُ والغزاةُ والغُلاة.
فانظر حولك في عالمنا العربي لتعرف كيف يوظف الغزاة الطغاة والغلاة في هدم الأوطان واستعباد الإنسان.
د. رامي عياصرة
مقولة على أغلب الأقوال أن عالم الاجتماع العربي المعروف ابن خلدون تطرق لها في كتابه الشهير “مقدمة ابن خلدون”.
ولكنها علاقة جدلية تحتاج الى مزيد من التأمّل، كيف يُصنع الطغاة حقاً ؟
هل هم جزء من الإفرازات الطبيعية للاجتماع السياسي ؟
أم هم صناعة تتشكل بطريقة متنحية عن ديناميكيات المجتمعات؟
سُئل الفيلسوف أرسطو ذات يوم: مَنْ يصنع الطغاة؟ فأجاب على الفور قائلا: ضعف المظلومين.
نعم، انه سكوت المظلومين واستكانتهم للاستعباد ورضاهم بحصتهم من القهر والتعسف وضياع الحقوق.
ربما يتحملون جزءا مهما من المسؤولية، فهم وإن ظهروا ضحية الطغيان إلا أنهم في تلك اللحظة من الصمت والاستكانة هم ظالمون ، ظالمون لأنفسهم وللأجيال التي ستأتي بعدهم. لأنهم بسكوتهم وضعوا المدماك الأول لصرح الطغيان الذي سيرتفع ويتعزز بمرور الأيام والسنين.
بحث عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الشهير ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) موضوع الاستبداد بتفاصيله مستعرضًا طبائعه وما ينطوي عليه من سلبيات تؤدي إلى خوف المسْتَبِدّ نفسه – لذلك تراه يهرب عن انكسار حاجز الخوف وسقوط ملكه – كما أنه يؤدي إلى استيلاء الجُبْن على رعيّته، إلى جانب انعكاسات الاستبداد على جميع نواحي الحياة الإنسانية، بما فيها: الدين والعلم والمجد والمال والأخلاق والترقّي والتربية والعُمْران.
وهو كتاب مبحرٌ في وصف الاستبداد ويكشف أدقّ خباياه ، فمثلا يقول : ” وصِفَةُ الاستبداد تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولَّي الحكم بالغَلَبة ( الانقلابات العسكرية ) أو الوراثة ( ولاية العهد ) – وهما مسألتان تناولهما مَن كتب و دوّن من فقهائنا الأقدمين في مسائل الحكم والسياسة واختلفوا فيها كثيرا- ، وتشمل أيضًا – والكلام للكواكبي – الحاكم الفرد المقيَّد المنتخب إذا أصبح غير مسئولاً، وتشمل حكومة المجموعة ولو منتخبة؛ لأنَّ الاشتراك في الرّأي لا يدفع الاستبداد، وإنَّما تغير نوعه، وقد يكون عند الاتّفاق أضرّ من استبداد الفرد”.
يُعرف الفيلسوف أرسطو الطغيان على أنه: صورة للحكم الفردي في ممارسة السلطة من دون رقيب أو حسيب، فهو بذلك يسبغ على نفسه صفات الألوهية، ولا يسمح لأحد بالتدخل في قراراته وشؤونه.
ويُقال أن أول من استعمل مصطلح “الطغيان” هم اليونانيون في منتصف القرن السابع قبل الميلاد، حيث أطلقوه على الملك “جيجز”.
قد يكون الطغيان أقدم من ذلك بكثير، لكن عصر الطغيان تم تدوينه بصورة رسمية في التاريخ اليوناني القديم الذي أطلق عليه مسمى “عصر الطغاة الإغريق”.
وقد عايش الكثير من فلاسفة اليونان مثل “افلاطون” و “أرسطو” حكم بعض الطغاة كأنظمة فاسدة، وفيما بعد ظهر الطغيان على أشده في بلاد الشرق حيث بلغ حد الطغيان لدرجة الألوهية والعبادة، إذ أن الطاغية كان يعتبر نفسه يمثل إرادة الشعب، ويستخف به ويستعبده، لدرجة ان أرسطو قال: “أن الشرقيين كانوا بطبيعتهم عبيد”.
بالرغم أن الطغيان ظاهرة عابرة للازمان والأمم والشعوب ولكنها حقيقة تبقى ماثلة على مرّ العصور، وجاثمة على صدور الشعوب، بالرغم من إجماع البشرية على سوئها وبشاعتها ومرارة نتائجها وسوء مآلاتها.
ويمثل الطغاة واحدة من أثافي الخراب الثلاث، وهم: الطّغاةُ والغزاةُ والغُلاة.
فانظر حولك في عالمنا العربي لتعرف كيف يوظف الغزاة الطغاة والغلاة في هدم الأوطان واستعباد الإنسان.