ثمة أهتمام ملحوظ في العشرية الأخيرة بالمدينة المقدسة\البلدة القديمة دينيا وسياسيا واجتماعيا ومجتمعيا وقد تكفل مركز القدس لدراسات إسرائيل بهذا الدور حيث يرصد التحولات الجارية في عموم شرق المدينة ولكنْ تحظى البلدة القديمة باهتمام خاص، فكما جاء في مقدمة دراسة أمبيريقية "القدس هي البلدة القديمة والبلدة القديمة هي القدس اسمان مرتبطان لا ينفك الأول عن الاخر أبدا فللمدينة مكانة دينية تحظى بها لدى مليارات المؤمنين في العالم وخلفها الالاف من السنين، مدينة التراث والحضارة " لذلك تحظى البلدة القديمة باهتمام بالغ من قِبَل المؤسسة الاحتلالية يترافق ذلك مع تعزيز وجودها الأمني والشرطي كمعطى سيادي.
البلدة القديمة مساحتها 870 دونم تشمل المسجد الأقصى المُقدر ب144دونم أي ان المسجد يشكل 16.6% من مساحتها الاجمالية ، تتوزع على 50% ملك للمسلمين سواء كان خاصا او عاما و30% بأيد مسيحية و20% بأيدِّ يهودية ، ويعيش فيها 35 الف انسان منهم 27 الف مسلم و5000 مسيحي و3000 يهودي وفيها 6200 منزل ويسكن ما معدله 75 نفسا على كل دونم. ووفقا لمعطيات وزارة السياحة الإسرائيلية وبلدية القدس يزور القدس 12 مليون زائر سنويا منهم 4 ملايين من الخارج.
الاحتلال الإسرائيلي يعتبر القدس\البلدة القديمة درة التاج الديني والتاريخي والميكرائي لليهود واليهودية على مرِّ العصور ولذلك يتعاظم الاهتمام بالمدينة المقدسة لدى السلطات الاحتلالية خاصة مع تعاظم دور اليهودية الدينية في الحكم وإمساكها بملف القدس والبلدة القديمة من جهة وسيطرتها على بلدية القدس من جهة أخرى.
في عام 2006 اقرت الحكومة الإسرائيلية ميزانية خاصة لتطوير البلدة القديمة بقيمة 385 مليون دولار تمتد حتى عام 2024 ورامت من وراء هذه الميزانية تعزيز الوجود اليهودي في البلدة القديمة ومحاصرة التمدد العربي الإسلامي ومنع تجديد البناء وتطوير السياحة داخل البلدة القديمة الا وفقا للسياسات الإسرائيلية وللأسف فقد غاب عن البلدة القديمة الفعلان العربي والإسلامي سواء من حيث تعزيز الوجود المقدسي اللهم الا من محاولات تركية حوربت علنا وبالخفاء من قبل أنظمة عربية ومن الاحتلال.
سياسات الاحتلال من الفها الى يائها تحمل معاني المردود السياسي والاقتصادي الذي يصب في صالح المجموعات اليهودية التي استوطنت البلدة القديمة بعد احتلالها عام 1967. ومنذ عام 2013 تقوم الحكومات الإسرائيلية بترسيم مجدد للبلدة القديمة يضمن تحقيق سيادة يهودية مطلقة فيها بما في ذلك السيطرة على المسجد الأقصى المبارك والذي باتت تتجلى ملامحه بالدوريات الشرطية التي لا تتوقف داخل المسجد فضلا عن الوجود الأمني والشرطي على مدار الساعة سواء على بواباته او في حرمه وساحاته.
يعمل الاحتلال على تطوير " حداثي" إسرائيلي يجمع التاريخ والراهن بحيث تكون مقارباته العملية يهودية ميكرائية ( الميكرا اسم جامع لكل التراث اليهودي الديني الذي امتد منذ لحظات الهيكل الأول وحتى ما بعد دمار الهيكل الثاني حسب زعمهم) يضمن بقاء عبق التاريخ فيها، ولذلك فقد رصدت الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة فضلا عما ذكرت مبالغ هائلة لهذه الغاية ولأنّنا أمام احتلال فإنَّ كافة السياسات التي تنفذها البلدية وأذرعها المختلفة بإيحاء من المؤسسات ذات الصلة نجد فيها البعدين الأمني والشرطي ففي تقرير لمعهد القدس لدراسات إسرائيل توصي دراسة خاصة بالبلدة القديمة بما يلي :"نوصي المستوى السياسي بالتعاون مع بلدية القدس وشرطة إسرائيل بعقد حوارات في سبل تطوير البلدة القديمة وتحديد السياسات تجاه حركة السياحة وتحديد جهة تسويق المدينة ومن يتقدم في التسويق عالمية المدينة ام يهوديتها ووضع مخطط افضليات في سبل دفع الاستثمار العام في السياحة والسكن ونوصي بتأسيس إدارة جماهيرية للاحياء الثلاثة الإسلامية والمسيحية واليهودية وتخصيص ميزانيات محترمة من اجل النشاطات الثقافية المتعددة في تلكم الأحياء .... ص33". بل تذهب الدراسة الى خلق أدوات عملية تصب في مصلحة التجار العرب في البلدة القديمة والتعاون معهم مباشرة من اجل تعزيز مكانتها التجارية على اعتبار ان تعزيز الاقتصاد المحلي سيحدث تغييرا داخل ساكنة البلدة القديمة يدفع نحو تقليم أظافر العدائية الكامنة بين ساكنة البلدة القديمة والتواجد اليهودي عسكريا وامنيا، أي ان الاحتلال لا يسعى الى تطبيع العلاقة بين ساكنة البلدة القديمة والغزاة بل جعلهم نسيجا مشتركا واحدا وكلمة السر في تحقيق هذه الغاية : المال.