المنشورات على الفيس بين الكاتب والقارىء
كيف نتحاور بالكلمة الطيبة والأسلوب الراقي
د. صالح نصيرات
الفيس منصة اجتماعية وبوابة مفتوحة لكل من أراد أن يعبّر عن رايه، أو ينشر فكره وقناعاته. وهذا حق للجميع. ولابد من أن نتوقع أن يكون فيه الموضوعي، والصادق، والمتحامل، والشانىء وقليل الحيلة. ويختلف القرّاء كما الكتّاب في قدراتهم وإمكانياتهم. ولذلك نجد اختلافا بيّنا في أعداد المتابعين لكاتب معين. وهذا أيضا شيء طبيعي. فالأفكار كثيرة، والأذواق مختلفة. ولكن أكثر ما يضايقني فعلا ما اقرأه من ردود وتفاعلات مع ما يكتب، حين يكون القارىء حاملا قلمه كسيف يريد أن يقطع به دابر الكاتب.
نعم هناك كتّاب مستفزون، وآخرون ساخرون، وقد يكون فيهم بعض اصحاب النوايا السيئة، ولكن أظن بأن المشكلة ليست في الكتابة، بل في فن التعامل مع المادة المكتوبة. ولعل أكثر ما يلفت نظر القرّاء المنشورات ذات الطابع الديني والسياسي. فهناك إبداعات جميلة في الأدب: نثرا وشعرا، ومقالات رأي ذات قيمة ووزن، وفيديوهات تعلّم الكثير من مهارات الحياة. وهذه تحتاج إلى قدرات فنية ونقدية لقراءتها و التعليق عليها. لذلك فإن الخلاف حولها قليل بشكل عام. أما المنشورات الدينية والسياسية، فيكفي أن تكون متحزبا أو أو متعصبا لفرقة، أو طائفة أو مذهب لتفعّل مدافعك الثقيلة للرد الصاعق الماحق على الكاتب الآبق!. ولذلك فإن الاتهام بالنوايا، والسطحية والسذاجة، بل تجاوز الحوار من الموضوع إلى الذات يغلب على تلك التفاعلات. فيتحول الموضوع المهم والضروري والمثير للنقاش إلى مادة للسخرية من الكاتب.
ليس مطلوبا منا أن نرد على كل من يخالفنا، وليس فرض عين أن تهاجم من لايتفق معك، وليس من الضروري أن يخفي المرء سوء فهمه، وقلة علمه بقناع من الكلام الفاحش والبذي ضد من يخالفه.
ويبدو لي أن الإدمان على قراءة بعض كتب التراث المتخصصة في الرد على المخالفين "يتخم" قاموس بعضنا حتى لايكاد يرى في الآخر فضيلة، ولا يجد له عذرا فيما ذهب إليه من راي. لذلك نجد الرد الصارم، وإفحام الخصوم، والنكير على... ، وغير ذلك من عبارات تخفي - باعتقادي- خوفا أكثر من الثقة بما سيقدم. وهناك كتب أيضا تعلم المناظرة و الحوار الجميل ذكرها صاحب كتاب الحوار واثره في الدعوة والتربية و الإعلام.
ومن المهم أن يتدرب من يريد الرد على حسن استخدام الافعال المناسبة، خاصة تلك التي تبين أنه يطرح تساولات وينشد الحقيقة، وليس مجرد متحامل يريد الهدم. أما استخدام اليقين المطلق في قضايا تحتمل الخلاف، فهذا يقلل من قيمة الرد وصاحبه. ولذلك من الأفضل التقليل من مفردات وعبارات مثل: ولا شك عندي، أعتقد جازما، بلا شك، لدي ثقة بأن.. ، من الواضح أنك كذا وكذا... وهكذا وبدلا من ذلك يمكن أن يستخدم مفردات وأفعال تدل على التساؤل والتواضع مثل: هل من تفسير لديكم ل.. ، هل يمكنك مساعدتي على فهم ... ، لقد فهمت أنك تقصد كذا فهل فهمي صحيح؟ لعلك قصدت، الخ من العبارات النسبية المتواضعة.
و بالأسلوب القرآني الذي يحث على الجدال بالتي هي احسن، وحوارات النبي الحبيب مع المشركين نكسب القلوب، ونرتقي معا، نختلف ولكن يبقى الود والاحترام، وبه تنضج الأفكار وتتبلور بشكل أكثر وضوحا، فنفيد ونستفيد.