الاعتكاف سُنّة لا يمسّها احتلال ولا غيره

الدكتور محمود سعيد الشجراوي

  • الجمعة 08, أبريل 2022 12:40 ص
  • الاعتكاف سُنّة لا يمسّها احتلال ولا غيره
الاعتكاف في المساجد عمومًا شعيرة من شعائر الإسلام، والاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك له خصوصيات على غيره من المساجد، لذلك يقبل المصلون على الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك في رمضان نظرا لعظم أجر الشعيرة، وشعائر الإسلام لا تُقبل فيها إملاءات أحد، وإن القبول بمنع الاعتكاف في أي ليلة من ليالي رمضان هو إقرار للمحتل بسيادته على مقدسات المسلمين، وهو قبول ضمني بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك، ولأن الاحتلال يعي أهمية ذلك؛ فقد حارب الاحتلال الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك تاريخيًا. ولذلك لا بد من توضيح نقاط مهمة:
الاعتكاف سُنّة لا يمسّها احتلال ولا غيره.
إعداد د. محمود سعيد الشجراوي
قسم القدس في هيئة علماء فلسطين
     الاعتكاف في المساجد عمومًا شعيرة من شعائر الإسلام، والاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك له خصوصيات على غيره من المساجد، لذلك يقبل المصلون على الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك في رمضان نظرا لعظم أجر الشعيرة، وشعائر الإسلام لا تُقبل فيها إملاءات أحد، وإن القبول بمنع الاعتكاف في أي ليلة من ليالي رمضان هو إقرار للمحتل بسيادته على مقدسات المسلمين، وهو قبول ضمني بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك، ولأن الاحتلال يعي أهمية ذلك؛ فقد حارب الاحتلال الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك تاريخيًا.
ولذلك لا بد من توضيح نقاط مهمة:
1. الاعتكاف سنَّة، وهو لزوم المسجد لطاعة الله للتفرغ للعبادة، في الليل أو النهار، ساعة أو يومًا، أو ليلة أو أيامًا أو ليالي، سنة كما قال الله جل وعلا: ((وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) .
2. ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اعتكف شهر رمضان كاملًا، واعتكف في بعض السنوات العشر الأواخر من رمضان، وفي بعض السنوات تركها لبعض الأسباب، وقد اعتكف رسول الله في بعض السنين في العشر الأول من شوال، فهو سنة في أي وقت من العام وفي رمضان أفضل، في رمضان وفي العشر الأخيرة أفضل. حديث أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما قالت ((كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ، وإذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الذي اعْتَكَفَ فِيهِ، قالَ: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أنْ تَعْتَكِفَ، فأذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فيه قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بهَا حَفْصَةُ، فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وسَمِعَتْ زَيْنَبُ بهَا، فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الغَدَاةِ أبْصَرَ أرْبَعَ قِبَابٍ، فَقالَ: ما هذا؟، فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقالَ: ما حَمَلَهُنَّ علَى هذا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فلا أرَاهَا، فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ في رمَضَانَ حتَّى اعْتَكَفَ في آخِرِ العَشْرِ مِن شَوَّالٍ.

3. أن الاعتكاف تفرغ للعبادة للذكر، والدعاء والعبادة في المسجد ولا بأس أن يزوره أهله كما كانوا يزوروا النبي ﷺ، ولا بأس أن يزوره بعض إخوانه، ولكن المقصود أن يتفرغ للعبادة من صلاة، وقراءة، واستغفار، ودعاء.. ونحو ذلك.
4. ولا بأس أن يكون ليلًا أو نهارًا، وقد ثبت عن عمر أنه سأل النبي ﷺ فقال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له: أوف بنذرك.
5. إنَّ كون المسجد الأقصى المبارك مغلقًا ليلًا أمام قاصديه منذ عام 1967 فهذا وضع شاذٌ وعدوانٌ مسكوتٌ عنه، وعُمْرُ هذا العدوان لا يمكن أن يضفي عليه المشروعية، لذا يجب أن يبقى إغلاق الأقصى أمام المعتكفين أمرًا مرفوضًا إسلاميًا، ولا بد لكل مسلم ولكل هيئة علمائية إضافة لدائرة الأوقاف وللحكومة الأردنية أن ترفضه".
6. بدأ التضييق على حرية ممارسة العبادة في المسجد الأقصى المبارك منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، ومنذ ذلك العام أيضًا مُنع الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك وكان يقتصر على ليلة القدر فقط، وفي التسعينيات أصرَّ المصلون على الصلاة والرباط في ساحات المسجد وعدم استسلامهم لاعتداء قوات الاحتلال عليهم، الأمر الذي دفع الاحتلال للسماح بالاعتكاف في العشر الأواخر.
      إن الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك في أي وقتٍ من العام سواءً كان نهارًا أو ليلًا هو رباط في سبيل الله تعالى، وهو عبادةُ المراغمة لأعداء الله تعالى ونيلٌ منهم قال تعالى ((ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ))  ، ويزداد تأكد ذلك في أوقات تقاطع الأعياد اليهودية المحرفة مع أيام شهر رمضان المبارك، كما سيحدث في عيد الفصح العبري الذي يوافق من 15 رمضان حتى يوم 21 رمضان المبارك، الأمر الذي يعني كون المسجد الأقصى المبارك فارغًا ليلًا وبه عدد قليل نهارًا، ومع تأكد تهديدات العدو الصهيوني باقتحام المسجد الأقصى المبارك بأعداد كبيرة؛ صار لزامًا على كل مستطيع أن يرابط ويعتكف في المسجد الأقصى المبارك منعًا لاقتحامه ومنعا لتدنيسه.
إنَّ اقتحامات المستوطنين وتدنيسهم للمسجد الأقصى المبارك بشكل يومي عدا يومي الجمعة والسبت لا ينبغي بحال أن يصبح أمرًا طبيعيًا، خصوصًا مع تزايد دعوات الحاخامات لاقتحامات كبيرة وتقديم قرابين حيوانية تدنيسًا للمسجد الأقصى المبارك، وإتمامًا لإقامة الهيكل المزعوم شعائريًا، وإنَّ الإرادة التي فككت البوابات الإلكترونية وفتحت مصلى باب الرحمة قادرة على فتح باب الاعتكاف في كل العام وفي شهر رمضان المبارك بشكل خاص.
ندعو كل مستطيع من أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948 وأهلنا في الضفة الغربية المحتلة، وأهلنا في قطاع غزة، إلى شد الرحال للمسجد الأقصى المبارك والاعتكاف فيه بأعداد كبيرة، كما وندعو الحكومة الأردنية والأوقاف الإسلامية في القدس إلى إعلان موقفيهما الرافض لتفريغ المسجد الأقصى المبارك من المعتكفين، وبل وعمل كل ما يلزم لتسهيل قدوم المرابطين والمعتكفين، وتوضيح الرفض الواضح للعدوان المتكرر للشرطة الإسرائيلية لتفريغ المسجد الأقصى المبارك ليلًا وفرض شروطها عليه.