عدوان الفصح على الأقصى: تقييم إجمالي
زياد ابحيص
مع اقتراب شهر رمضان المبارك من نهايته، وبعد ثمانية أيام متتالية من العدوان شهدها بمناسبة عيد الفصح العبري، إضافة إلى تضييق شديد على ليلة السابع والعشرين من رمضان والجمعة الأخيرة والاعتداء على المصلين فيهما؛ وما صاحب ذلك من رباط وتصدي وفعل مقاوم فلا بد من تقييم الموقف وتقدير ما يمكن أن يؤول إليه على المدى القريب:
محصلة المشهد كانت التشويش على أهداف المحتل في الأقصى؛ فالقربان كان هدفاً محتملاً لجماعات الهيكل إن تمكنت من فرضه وتحول إلى عنصر توتير شديد؛ أما هدف حكومة الاحتلال وأجهزتها فكان الخروج بصورة تقاسم الأقصى كمقدس ما بين الفصح العبري وطقوسه الصباحية ورمضان الإسلامي وقيام لياليه، تقاسم تفرضه وتنظمه الشرطة الصهيونية وهذا هو المفهوم الصهيوني لـ"حرية العبادة".
على مستوى الوعي جرى التعامل مع "قربان الفصح" باعتباره السقف الذي ينبغي منعه، و هذا صب في صالح المحتل إذ بات كل ما دون ذلك من عدوان على المصلين واقتحام المستوطنين وأداء الطقوس بات وكأنه مقبول.
في الأداء الأمني الصهيوني يبدو أن نفتالي بينيت عالج ضعف حكومته بترك الأجهزة الأمنية الصهيونية تتصرف وفق اعتباراتها الميدانية؛ ورغم التخبط في بداية رمضان تحت ضربات عمليات المـ.ـقـ.ـاومة فقد تعدل الأداء لاحقاً إذ أغلقت الفتحات في الجدار وفرضت طوقاً على الضفة الغربية حد من الوصول للقدس في معظم الأيام؛ ونشر الاحتلال بالمقابل ٦ كتائب قوات خاصة في محيط البلدة القديمة ونفذ بذلك مناورة "إدارة حشود" نجحت في منع الانفجار؛ كما نجح في توظيف التناقضات الداخلية من خلال تشجيع الأنشطة التطبيعية وتشجيع بسطات البيع وغض الطرف عنها في ساحة باب العامود، والتنسيق المسبق مع تجار وادي الجوز وشارع صلاح الدين لمنع التصعيد والمواجهات في شوارعهم للحفاظ على الحركة التجارية.
ميدانياً كان حشد فجر الجمعة ١٥-٤ بداية واعدة للتصدي لعدوان الفصح لكن شرطة الاحتلال كانت متحضرة لكسره وكسر الزخم الشعبي بالتالي بقوات أكبر من تلك التي شاركت في يوم ٢٨ رمضان الماضي وبقدر أكبر من القوة وبتكتيكات لا تبالي بإحداث دمار محدود في الأقصى باعتلاء الأسطح وتحطيم النوافذ، فتمكنت من الاستفراد بالمرابطين يومها ما شكل ضربة مبكرة للزخم الشعبي؛ وهنا كان يمكن تغيير المعادلة لو كانت معركة الأقصى غير محصورة فيه؛ أو لو تدخلت المـ.ـقـ.ـاومة في غزة تدخلاً رمزياً متزامناً يمنع الاستفراد.
في الأيام الخمسة لاقتحام الفصح كانت محدودية العدد العائق الأبرز؛ وكان الاعتكاف وإغلاق ممر المقتحمين بالردم والإرباك الصوتي في القبلي بطرق الأبواب وعبر السماعات وفي صحن الصخرة بتكبيرات المرابطات عناصر المواجهة الأبرز؛ وجاءت أحداث مساء الأربعاء وحتى صباح الخميس لتنقذ ماء الوجه بالتصدي لمسيرة الأعلام المستحدثة ثم التصعيد المدروس من المـ.ـقاومة في غزة وأخيراً بالتصدي لاقتحام الخميس وكانت الألعاب النارية سلاح التصدي الأبرز.
أما على مستوى المـ.ـقـ.ـاومة فقد كان واضحاً أن هناك حاجة لاستكشاف المعادلة المستجدة، وتخوف من أن يؤدي التدخل المبكر إلى وأد التحرك المقاوم في الضفة أو منع توسع الفعل الشعبي في القدس؛ إضافة إلى التخوف من الذهاب لحرب شاملة في ظروف غير ناضجة لكن هذا توضح في الأيام الأخيرة مع الإطلاقات التجريبية والإطلاق دون تبني مع رفع سقف التهديد. ما زلنا هنا بحاجة إلى تطوير معادلة مرنة وفاعلة لتدخل المـ.ـقـ.ـاومة من غزة بشكل يعزز بقية الميادين ويبني على إنجازاتها.
التحالف العربي مع الصهاينة كان واضحاً في قمة النقب التي شكلت غطاء عربياً لعدوان صهيوني على الأقصى كان الجميع يرونه قادماً، واستقبل الأردن الرسمي خمس قادة صهاينة قبله واتصالاً هاتفياً من بينيت خلاله؛ وجرت زيارة تنسيقية مع رئيس السلطة محمود عباس في رام الله، ولم يكن استقبال أنقرة للرئيس الصهيوني بعيداً عن هذا المشهد أيضاً.
انعكس ذلك سياسياً بتأخير أي موقف عربي حتى الخميس حيث انعقد مجلس وزراء الخارجية العرب مع نهاية عدوان الفصح، ومماطلة قيادة السلطة المتعمدة في اتخاذ أي موقف حتى ما بعد العدوان؛ ثم انعقاد قمة إماراتية- أردنية -مصرية أعلنت التهدئة كأولوية دون أن تبذل أي جهد لمنع العدوان الأصلي وهو الاقتحام؛ وبعد تحفظ أردني سابق على "اتفاق أبراهام" فإن هذه القمة ربما تمهد لغطاء عربي رسمي لتعامل كل الأطراف العربية تحت سقف "اتفاق أبراهام" الذي يقر بتقسيم المسجد الأقصى وإتاحة الصلاة فيه لليهود.
انعكس هذا التنسيق ميدانياً بمحاولة منع الاعتكاف، وتشويه صورة المعتكفين والمرابطين، واصطناع صورة المواجهة الداخلية مع الشباب في الأقصى مستفيدة من خلاف داخلي حول جدوى مبادرة الشباب للمواجهة تحول إلى شكل سلبي خطير من ممارسة الوصاية ومحاولة منع الاشتباك في الأقصى، والواضح أن الاحتلال والأمريكان معاً لمسوا جدوى هذا الغطاء العربي ما يعني السعي لتفعيله مستقبلاً.
كملخص؛ كانت المبادرة الأمنية وتعزيز حصار القدس وتحالف دول التطبيع عناصر القوة الصهيونية لإجهاض أي انفجار شعبي؛ وكان الاعتكاف والرباط وإغلاق طريق المستوطنين والإرباك الصوتي عناصر المواجهة في القدس التي لم تنجح في الانتشار إلى خارج الأقصى، وكان التدخل المدروس للمقاومة والتفاعل الشعبي الخارجي عناصر معززة؛ فكانت النتيجة التشويش على أهداف المحتل وليس منعها، وهذا ما يجعل الحديث عن "نصر" متعسفاً حتى بمفهوم الصمود وإحباط أهداف العدو؛ ويجعل المعركة مفتوحة ومستمرة خلال الشهور القليلة المقبلة ما يحتم اليقظة وتوجيه الاهتمام والموارد إليها؛ فهذه المعركة التي تصنع مصير فلسطين.