المسجد الأقصى وأجندات ما بعد صهيونية (1\4)

الأستاذ صالح لطفي صالح بعير

  • الأربعاء 29, يونيو 2022 11:20 ص
  • المسجد الأقصى  وأجندات ما بعد صهيونية (1\4)
مقدمة... تعتبر هذه الفترة[ المرحلة ] من تاريخ العلاقة بين المسجد والاقصى والاحتلال الإسرائيلي الأكثر عنفاً واستأساداً احتلالياً وإحلالياً في تاريخ العلاقة بينهما منذ الاحتلال وسقوط مدينة القدس والمسجد الأقصى عام 1967 ذلكم انّ الاحتلال كثفَّ من تغوله في عموم المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك فالهدم اليومي للبيوت والاعتقالات اليومية ومنع عديد المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى والإقتحامات اليومية وهو ما اضحى العلامة الأبرز في هذه المرحلة .


قبة الصخرة المشرفة في الحرم الشريف..
عندما نتحدث عن ما بعد الصهيونية لا نقصد بذلك المدرسة الاكاديمية التي نظَّرَ لها عددُّ من الاكاديميين الإسرائيليين وفي مقدمتهم ايلان بابه بل نقصد بذلك الصيرورات التي طرأت على مسيرة الحركة الصهيونية وما آلت أليه إسرائيل بعد سنوات من التفاعل بين الديني والعلماني افضى هذه اللحظات الى وجود تيارين ، التيار المُحافظ على اختلاف مدارسه ومقارباته السياسية والتيار الديني على اختلاف مشاربه ومدارسه كذلك بينهما خيوط اتصال وتواصل ومساحات  شكلت قضايا الأرض والانسان والمُقدس عناوين كبيرة في تخليق الهويات الجمعية لليهودي الما بعد الدياسبورا والهولوكست .ولذلك فالصهيونية بنسختها الأخيرة تداخل فيها مجموعة من التصورات والرؤى والقيم تعمق الارتباط بالقدس والمسجد الأقصى ( جبل الهيكل). وهناك ضرورة لفهم العلاقة بين الصهيونية في نسختها العمالية البنغريونية الأولى وتالياً في التصورات التي وفدت عليها  فحتى بدايت القرن الفارط كان  عدد المهاجرين اليهود الذين وفدوا الى البلاد ممن صعد الى الحرم القدسي جدُّ قليل وكان الاجماع الديني الأرثوذكسي القائل بحرمة الصعود ومحظوريته قاطعاً ومانعاً . في هذا السياق يقول الحاخام والفيلسوف اليهودي  تومر بريسكو :" لقد فهموا جيدا -المقصود الإباء الصهاينة المؤسسين للدولة العبرية - أن جبل الهيكل على وجه الخصوص هو نقطة نهاية الصهيونية، المكان المحدد الذي تنقلب فيه الصهيونية رأسا على عقب وتتحول من حركة علمانية ووطنية إلى حركة دينية ومسيانية" .  ولذلك سؤال التحولات من العلمانية والوطنية الى الدينية والمسيانية حاضرٌ وبقوة في الخطابين الاكاديمي والهلاخاتي في السنوات العشر الأخيرة  ولات واحاً تأثيره على الشارع الإسرائيلي عموماً.
راهن الحركة الصهيونية الدينية وتغولها 
ثمة ثلاثة أسباب تعود الى هذا التغول تتعلق بالحركة الصهيونية الدينية المسيحيانية التي تعتقد انها امام فرصة تاريخية  قد لا تعود تدفعهم لفرض سياسات الامر الواقع خاصة وانّ العديد من الشخصيات الأمنية والأكاديمية من اليمين المُحافظ باتت تضع بيضها في سلة التيار الصهيوني-الحاريدلي وتعتبر المسجد الأقصى بعضاص من اجنداتها السياسية التي يمكن ان تزيد من عدد المقاعد لهذا التيار او ذاك في الكنيست.
السبب الأول في تصوري يعود الى تمدد التيار الصهيوني المسياني الذي يرى في المسجد الأقصى جزء من العقيدة اليهودية التي من الضرورة اعادته الى الحضن اليهودي وهذا التمدد افقي في السياق الشعبوي وهناك العمودي المتمثل في النخب حتى العلمانية التي باتت تتماهى مع هذه القضية كفعل ديني-قومي، والسبب الثاني سياسي بامتياز حيث تتنافس مدارس هذا التيار على قصعتها من الناخبين الايديولوجيين والشعبويين ويعتبر المسجد الأقصى جسراً للوصول الى كم وافرٍ من الأصوات يؤهل هذه الأحزاب للدخول الى الكنيست خاصة وان التيار الحاريدي ممثلا بحركتي شاس السفاردية وديجل هتوراة الاشكنازية لها كتلتها الانتخابية المؤدلجة والملتزمة التي لا يمكن زحزحتها بسهولة ولذلك تعتمد هذه الحركات والأحزاب المنبثقة عن التيار الصهيو-ديني خطاباً شعبوياً لحصيل اكبر كم ممكن من الأصوات لدخولها الكنيست ومن ثم مشاركتها في الحكومة لتنفيذ اجنداتها السياسية والمسيانية وهل هناك اكثر ربحية من دغدغة العاطفة الدينية المتجلية بما يسمونه العودة الى صهيون والصلاة في رحاب " الهيكل" واما السبب الثالث فيتعلق بالهوية اليهودية ومُحدثاتها المُعاصرة المتخيلة ابتداء والمتأثرة من التحولات الجارية في المجتمعات اليهودية عموما والتي في بلادنا خصوصا بما في ذلك تلكم المتعلمنة او حتى المُلحدة فالمسجد الأقصى تحيله القوى اليهودية على اختلاف مشاربها في السنوات الأخيرة الى قيمة عليا مؤسسة في الهوية الجمعية الإسرائيلية متعمدة مناهضة الموروث الصهيوني العلماني البنغريوين الذي تحفظ مبكراً من ضم البلدة القديمة في سعيه للخروج من النفسية الجيتوية الى اليهودي المنفتح الاشتراكي المُبادر الذي يستوطن اكبر قدر ممكن من الأرض فيها اقل عدد ممكن من أصحابها العرب. وهذه المسألة تعتبر راهناً من اهم معالم البناء المُتخيل للهوية الإسرائيلية بطبعتها الثالثة ، الطبعة اليهودية بعد ان كانت مرت في الصهيونية العمالية ثم الصهيونية المحافظة ثم الإسرائيلية لتستقر راهنا باليهوية في سياقات مفتوحة ليجعل التساؤولات عن عن أي يهودية نتحدث هام جداً في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة حيث تتسيد أسرائيل بفعل عوامل كثيرة وهي في اوج توجهاتها الدينية الراعية علناً لإحداث تغييرات جوهرية في المسجد الأقصى ولذلك يبرز سؤال الدين كمكون أساس في الهوية والى جانبة حضور المسجد الأقصى في هذا التكوين وهو ما يدفعنا لسؤال الاجندات ما بعد الصهيونية ، وما هو مكان المسجد الأقصى المبارك في بناء هذه الهوية وتدافعات هذا الطرح على راهن ومستقبل اليهودية عموما والصهيونية عموما وما بينهما من مساحات وفضاءات واشتباكات؟.

صالح لطفي باحث ومحلل سياسي..