لقد حمل العقد السابق الكثير من المفاجآت غير السارة للإسلاميين، لسبب بسيط هو أن ثورات الربيع العربي كشفت عن هشاشة الأنظمة، وعدم قدرتها على رؤية قوى إسلامية تنزع عنها الشرعية، وتضعها في موقف الدفاع عن القلاع التي بنتها خلال عقود عبر الظلم والاستبداد . تمثل ذلك الدفاع بالانقلابات والقتل وتمزيق البلاد، وإشعال الفتن، والقضاء على كل بقية من حرية في بعض البلاد.
وهذا العقد الذي اقترب العام الأول منه على الرحيل، لا يختلف كثيرا عن العقد السابق، ولا يتوقع أن تتغير الأمور كثيرا في موقف الأنظمة من الإسلاميين. إذ أن معظم الأنظمة تعلمت من العقد السابق كيف تتعامل مع الإسلاميين، وسبل تحجيمهم وإخراجهم من المشهد السياسي بشكل كامل أو شبه كامل.
ولأن الأنظمة تعرف جيدا أن المخزون العقدي و الفكري والثقافي له أهمية كبيرة في مد الإسلاميين بالشرعية والوجود، فإن الهجمة لن تقتصر على مايسمونه ب"الإسلام السياسي"، بل اتضح ان عامة الأنظمة اتجهت نحو خلخلة البنية الفكرية والثقافية والهوية الإسلامية للمجتمعات العربية. ولذلك وجدنا هجوما منظما على التاريخ الإسلامي ورموزه، والسنة النبوية وشرعيتها، والقرآن الكريم وحتى العبادات الفردية والجماعية. ويمضي التحجيم بلا هوادة، حيث أصبحت خطب الجمعة موجهة ومقيدة من قبل الأنظمة، والتجمعات الإسلامية محرمة أو ممنوعة، وحتى العبادات كالصلاة والاذان والحج والزكاة، وأصبحت جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ومحاضنه التربوية في مرمى نيران تلك الأنظمة. أما المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات ومعاهد عليا، فاصبحت في قبضة الأنظمة من خلال الزعم بتطوير المناهج و بناء منظومات تعليمية وتربوية هدفها المعلن هو التطوير وباطنها التسريع في علمنة المناهج، وإبعاد "شبح" الأسلمة عنها
كما عمدت بعض الأنظمة إلى الاستعانة بقوى ومؤسسات ودول وحتى بعض المؤسسات الدينية من مثل مؤسسات الفتوى و العلوم الشرعية والطرق الصوفية و السلفية التقليدية لتجريم كل من يدعو إلى الإصلاح . فانتشرت الفتاوى التي تعتبر العمل الحزبي جريمة وخروجا على الحكام، وتحللت دول من هويتها بشكل أسرع مما كان متوقعا، وخلعت أخرى عباءة الدين باسم التطوير والتقدم، وتصهين آخرون علنا..
هذا الوضع الذي نراه اليوم لم يكن من قبل بهذه الفجاجة و الصفاقة سيستمر لفترة من الزمن، وقد ينتهي العقد الحالي دون بوارق أمل بالتغيير الذي تنشده الشعوب.
وإزاء هذا الوضع، لابد من وقفة ومراجعة حقيقية، وتلمس الطريق والسير فيها بخطى مدروسة وأساليب وطرائق مبتكرة تعين المسلمين على الثبات في صراع البقاء، وتمهد الطريق لانطلاقة ثابتة وراسخة، وقوية. .
إن على الإسلاميين ومحبي الإسلام أن يدركوا أن العلاقة مع الآخر المتمثل في أنظمة الجور، لا تعتمد المنطق، إذ لا تعترف تلك الأنظمة بأي قانون أو شرعة مادام ذلك القانون أو تلك الشرعة لا تحقق لهم مصالحهم بالبقاء على ماهم عليه من توحش وهمجية في أفعالهم تجاه العاملين للدين والذين لايخضعون في فهمهم لدينهم لفتاوى شيوخ تلك الأنظمة .
وإذا كان الظلمة وحكام الجور قد نبذوا خلافاتهم، وتوحدوا تحت راية واحدة يقودها مستعمر خارجي وعدو ظاهر، فإن من العار والخذلان للدين وأهله، أن يبقى الإسلاميون اليوم متنابزين ومتباعدين ، يتمترس كل فصيل أو حزب أو جماعة وراء مقولاته واجتهاداته التي أصبحت لدى بعضهم دينا وشرعة إلهية
وعلى الجماعات و الأحزاب والمؤسسات والأفراد العاملين للدين والمحبين له أن يجتمعوا على كلمة سواء، وأن يتدارسوا بجد ومسؤولية الخطر الداهم على هذا الدين وأهله، من خلال التنسيق والعمل الصادق الذي يوحد الجهود، ولايبرر القعود و الفرقة مهما كانت المبررات. إن القواسم المشتركة عظيمة ونسبة الخلاف قليلة، ومعظمها تدور حول بعض المصالح الفردية و الجماعية للأسف.
إن من الخيانة لدين الله ولجماعة المؤمنين وللشهداء و المصلحين الذين افنوا حياتهم في سبيل الله، أن تبقى هذه الحالة من الفرقة وتعميقها من خلال بعض المرتبطين بأنظمة الجور والذين لايهمهم من هذا كله إلا تحقيق لعاعات من الدنيا لهم ولابنائهم ومحازيبهم. .
أبو مجاهد