رسالة اعتذار واستبشار
من المغرب الأقصى إلى المسجد الأقصى
في ذكرى نكبة أرض فلسطين، ومن بلدنا الحبيب المغرب الأقصى، وإلى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، نتوجه إليكم برسالة اعتذار واستبشار في نفس الوقت. فالاعتذار واجب على ما فرطنا في حقكم وفي حق أقصانا الحبيب الذي يتعرض لسلسلة من الاقتحامات والمداهمات والتدنيس أمام مرآى ومسمع العالم كله، وبمشاركة بعض مما يحسبون على المغاربة . والاستبشار بما تقومون به من أعمال بطولية للدفاع عن القدس وفلسطين عامة وعن المسجد الأقصى المبارك خاصة في هذه الظروف العصيبة التي تجتازها الأمة الإسلامية، وبمشاركة من المغاربة الرافضين للتطبيع الذي اعتبروه نكبة أخرى تؤرخ لخيانة عظمى لقضية أرض فلسطين .
لسنا هنا للتذكير بالارتباط التاريخي للمغاربة بفلسطين، ولازال أثر ذلك ملموسا في باب المغاربة وغيره من المواقع الأخرى. ولسنا هنا للتذكير أيضا بالارتباط القلبي والوجداني للمغاربة بالقدس والمسجد الأقصى الشريف، من خلال التظاهرات والملتقيات والمؤلفات والهيآت الداعمة لنصرة قضيتكم، والتي هي أيضا قضيتنا وقضية الأمة الإسلامية جمعاء. لكن اسمحوا لنا يأهل فلسطين السليبة أن نتقدم بين أيديكم باعتذارنا عما قام به بعض المغاربة من قومنا في حق قضيتكم وقضيتنا العادلة، وإليكم تفصيل ذلك :
الاعتذار:
ـ ونحن نتألم لما نراه من صور للصهاينة، وهم يدنسون المسجد الأقصى ويستبيحون حرمه الشريف، ويعبثون بالمصلين والمصليات، والمرابطين والمرابطات المدافعين والمدافعات عنه، لايفرقون بين الصغير والكبير، ولا بين المرأة والرجل، وجزء منهم يدعون أنهم مغاربة يعملون في مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني المحتل، والمغاربة منهم براء، فليس منا من يدنس أقصانا ويده ملطخة بدماء شهدائنا من الفلسطينيين الأبرياء. والبعض الآخر من المغاربة الذين طبعوا مع هذا الكيان المغتصب فهم شركاء له في هذه الجرائم، وندعوهم للتراجع عن ذلك والانحياز إلى المغاربة الرافضين للتطبيع مع المحتل والتنديد بجرائمه.كما أن هذه الجرائم الشنيعة لجنود الاحتلال ـ ومنهم المغاربة ـ تتم عبر باب المغاربة الذي خلد اسمه المغاربة الأجداد لخدمة المسجد الأقصى والارتباط به والدفاع عنه في وجه المحتلين.
هذه الجرائم التي يكيل فيها المجتمع الدولي بمكيالين ،حتى كاد البعض منا يتمنى أن تكون فلسطين والمسجد الأقصى في أوكرانيا ليستفيق العالم من سباته ويتصدى لجرائم الصهاينة كما تصدى للغزو الروسي لأوكرانيا. وهل تتساوى جرائم الاحتلال الصهيوني مع الاحتلال الروسي ؟ وأين هي المنظمات الحقوقية الدولية الخاصة بالمرأة والأطفال والأماكن المقدسة و... أم أن جغرافية عملها فقط في أوكرانيا وليس فلسطين؟ أم أن الفلسطينيين هم نوع من البشر ليسوا كالأكرانيين؟
ـ عن التطبيع مع الاحتلال الصهيوني على كل المستويات الرسمية والتربوية والعسكرية والأمنية والرياضية والاقتصادية والفنية، التي جعلتنا نخجل من كوننا مغاربة لم نحافظ على إرث الأجداد في دعمهم وحبهم لأرض فلسطين، وأصبحت سمعة بلدنا في الحضيض وللأسف الشديد.
ـ لأن ببلدنا يمنع ملتقى طلابي داعم للقدس الشريف وللمسجد الأقصى المبارك، وتغلق أبواب الجامعة ثلاثة أيام في سابقة فريدة من نوعها قام بها بعض المغاربة من قومنا، في الوقت الذي كان الطلبة المغاربة هم السباقين دائما لدعم فلسطين ومقاومة الاحتلال الصهيوني الغاشم.
ـ لأن ببلدنا أصبح خطباء الجمعة والدعاة إلى الله يتجنبون الدعاء على الصهاينة الغاصبين مخافة العزل وسوء العاقبة في الدنيا والدين، في الوقت الذي كان الخطباء والدعاة هم القدوة الأولى في تحريك مشاعر المغاربة اتجاه المسجد الأقصى والقدس الشريف.
ـ لأن ببلدنا تمنع التظاهرات والمهرجانات المنددة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وجرائمه في فلسطين، في الوقت الذي كنا نشهد فيه تظاهرات ومسيرات مليونية داعمة لأهل فلسطين وصمودهم في وجه الصهاينة الغاصبين.
ـ لأن ببلدنا تحظر حسابات المدونين الذين يفضحون جرائم الصهاينة، ويدعمون المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، ويبلغ عنها وكأنها حسابات تدعم الإرهاب. وكل ذلك بمباركة من يتحكمون في وسائل التواصل الاجتماعي ويسخرونها لخدمة الصهيونية العالمية، وحجب فضائعها في أرض فلسطين.
ـ لأن ببلدنا أصبح البعض من بني جلدتنا يشارك الصهاينة الغاصبين أعيادهم الدينية ويتبادل معهم التهنئة بمناسباتهم الدينية والوطنية، في الوقت الذي كان هذا من قبيل الخيانة لأرض لفلسطين.
ورغم كل ذلك فإننا نستبشر خيرا بصمودكم ودفاعكم عن الأقصى وأرض فلسطين، ونستبشر خيرا بجهود غالبية المغاربة ومن يمثلهم من هيآت رسمت صورة ناصعة للمغاربة وارتباطهم القوي بأرض فلسطين، وإليكم تفصيل ذلك:
ـ الاستبشار:
ـ لأن من المغاربة من زاد ارتباطهم بالقدس الشريف والمسجد الأقصى، ويبدلون الغالي والنفيس للدفاع عن إرث أجدادنا وفضح مخططات الاحتلال الصهيوني الرامية إلى طمس معالمه، وذلك عبر تشكيل هيىآت مغربية لنصرة فلسطين، وعبر تنظيم العديد من التظاهرات والوقفات المسجدية والملتقيات العلمية المنددة بالتطبيع والفاضحة لجرائم الاحتلال الصهيوني رغم المنع والتضييق، وعبر تقوية روابط المغاربة مع أرض فلسطين السليبة، فلكم منا أيها المغاربة المنتمون للهيآت الداعمة لفلسطين كل المحبة والتقدير.
ـ لأن جزءا من اليهود المغاربة رفضوا التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ولم ينخرطوا في مخططات الحركة الصهيونية، ولازالوا ينددون باحتلال أرض فلسطين، ويدعمون كل الجهود الرامية لفضح جرائمه.فلكم منا أسمى عبارات التقدير والاحترام.
ـ لأنه بصمود المرابطين في المسجد الأقصى والقدس والشريف، وبصمود أهل فلسطين على أرض فلسطين، يتجدد ويزداد يقيننا ـ نحن المغاربة ـ في وعد الآخرة من رب العالمين:
ـ فأنتم تنوبون عنا وعن الأمة الإسلامية في عدم الوفاء بالأمر النبوي للصلاة في بيت المقدس، أو إهداء الزيت ليسرج فيه، مادام تحت الاحتلال الصهيوني، ففي مسند الإمام أحمد، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَتْ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ). بل إنكم لبيتم الأمر النبوي، وصليتم فيه، ورابطتم فيه، ودافعتم عنه ضد جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين من الصهاينة الغاصبين، ولم تهدوا له زيتا يسرج فيه فحسب، بل جعلتم له روحا ونورا يمتد من قلب إلى قلب يبشر بقرب الوعد الإلهي الحق، ونهاية التسلط الصهيوني على أرض فلسطين. فجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء وبارك الله فيكم وأحسن الله إليكم.
ـ وأنتم أيضا تمثلون الطائفة من الأمة على الحق ظاهرين ولعدوكم قاهرين، رغم تطبيع المطبعين وتخاذل المتخاذلين، ولازلتم كذلك حتى يأتي أمر الله، روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إلا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ (= شدة وضيق معيشة) حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ". نسأل الله أن ينصركم على الصهاينة الغاصبين رغم أنف المطبعين وتخاذل العالمين. فنصر الله لكم آت آت آت وعد من الله حق، ولن يخلف الله وعده.
د.مصطفى العلام
باحث في الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان