فالباطل لم يكن يوما منطقيا ولو تدثر بدثار العلم والعقلانية والبحث العلمي. فمَن مِن الأنبياء أسلم له قومه دون محاولات يائسة منهم لثنيه عن الدعوة للتوحيد؟ ومن منهم ناقش أو ناظر بالعقلانية التي يزعمون أنهم أصحابها؟ ومن منهم من لم ييأس من قدرته على الحوار فعمد إلى القتل أو البهتان أو الكذب؟ تلك هي سنّة الله سبحانه. ولأن الحرب المستعرة اليوم على الإسلام ودعاته تستخدم كل الوسائل والأساليب الخسيسة من خلال الإغراء الأموال والمناصب والشهرة تارة أو الوعيد بالسجن و القتل وإثارة الشبهات والتدليس على الناس تارة أخرى، فإن سقوط بعض المسلمين وارد جدا. وأكثر ما يخيف أعداء الإسلام انتشار الوعي بين المسلمين، والخروج من حالة الجهل، والتعرف عن علم على حقيقة هؤلاء الأعداء ومناهجهم. فهدم مناهج البحث التي يزعمون علميتها يقوّض أركان الكفر وأهله.
والعلم بالدين واجب على كل مسلم خصوصا في هذه الأيام، حيث ينتشر الكذب و التدرليس والسخرية على نطاق واسع. ويصحب ذلك دعوات محمومة عبر مايسمونه الفن! لإثارة الغرائز و"تصنيم" أصحاب الرذائل ودعاة الفحور. ولذلك قد يكون الشاب مفتونا بالممثلين وآخر قد يفتن ببعض المقولات الفلسفية أو ذات الصبغة العلمية.
والعلم الذي نقصده هو أن يكون المسلم مسلحا بمعرفة كل ما يمكن أن يتمكن منه. فاليوم تنتشر المواقع التي تهاجم الإسلام علنا أو خفية. والذين يعلنون عداءهم للإسلام علنا يكفوننا المؤونة في الرد عليهم. ولكن الخطر يأتي دوما ممن يزعمون أنهم يدافعون عن الدين باسم تجديد فهم القرآن الكريم والسنة وفق مناهج نشأت أصلا لترفض الوحي الرباني، وتدلس على الناس باسم "الحقيقة" العلمية. فالوضعية التي تمثل المظلة الأكبر لمناهج البحث اليوم جاءت في ظروف الصراع الكنسي مع الأوربيين الرافضين لها. ولذلك كانت ردة الفعل من جانب الفلاسفة والملحدين رفض الدين جملة.
وإذا كان قد ورد في تراثنا أن عالما واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد، فإننا نصبح اليوم أمام مهمة عظيمة، وهي شد الرحال إلى العلماء الربانيين الذين يعيشون بيننا أو بقاؤة واعية لكتب وتراث أولئك الذين عاشوا وماتوا على الإسلام.
وأفضل العلم ليس موجودا في الكتب والمقالات والمواقع. لسبب بسيط جدا أن العلم لايؤخذ من صفحات الكتب فقط، بل لابد من مصاحبة العلماء والأخذ عنهم. وأفضل العلم ما كان اقتناعا من خلال الحوار والنقاش والدليل. وهذه مهمة تلقى عاتق العلماء. فالضيق و التبرم وأحيانا الإعراض عن الأسئلة الدقيقة، واعتبار تلك الأسئلة خروجا على اللياقة أو الأدب أمر خطير جدا. إذ قد تؤدي إلى الذهاب إلى الآخرين من المدلسين ومدعي العلم الشرعي.
والحوار و النقاش مهارات وليست مجرد كلام وكفى. فالعلماء مطالبون بالتدرب على الحوار العلمي و النقاش الهادىء، و البعد عن الاتهام و الغضب من الشباب. والتدرب على هذه المهارات اليوم متاح ومتوفر في مراكز التدريب والتطوير الذاتي.
لقد سجل لنا القرآن الكريم حالات الحوار الإلهي مع الملائكة والأنبياء "وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال إني أعلم ما لا تعلمون". وقال سبحانه "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى. قال أول تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي". وطلب موسى عليه السلام لرؤية الله سبحانه. هذه أدلة على وجوب الاستماع إلى الشباب وقليلي العلم، ومن قد يحمل بعض الشبهات بتأثير الإعلام الذي أصبح همه الكذب والتدليس والبهتان وصرف الشباب عن الدين. ومن وسائل الإعلام من تقوم بتقديم برامج باسم الدين ولكن هدفها التضليل و نشر الشبهات والتشكيك بمسلمات الدين. وهناك مواقع كثيرة للعلمانيين والمزيفين للحقائق قد لا يدرك خطورتها كثير من الشباب أو من المفتونين بعناوين وشعارات برّاقة قد يراها الظمآن ماء فإذا هي سراب بقيعة. ومعرفة العلماء بالعلوم الاجتماعية كعلم النفس والاجتماع وعلوم الإنسان وتاريخ الأديان والملل والنحل المختلفة، كذلك الظروف التي تطورت فيها تلك العلوم، وما تدعو إليه، وما يمكن الإفادة منه في حياتنا أمر حتمي ولازب. والذي يظن أن الإقناع يتم بمجرد وجود "السلطة الرمزية" للشيخ أو العالم لايدري ماذا يحمل شبابنا في عقولهم. فمن الضروري معرفة المراحل العمرية المختلفة وطبيعة التفكير ومراحله، والظروف النفسية و الاجتماعية التي يمر بها الشباب مهمة لاختيار أنجع السبل في الحوار والنقاش. وهذه الاساليب هي التي تبني الشاب القوي في دينه والواعي لتدينه، والمدرك لما يجب عليه القيام به نحو دينه.
د. صالح نصيرات