وما نتج عن انقلاب الدولة العميقة في بعض البلاد واجتياح قوى أخرى وسيطرتها على السلطة في البعض الآخر، وقرارات دول أخرى بوضع الحركات الإسلامية على قوائم الإرهاب (مصر والإمارات و السعودية والبحرين) أوحظرها وتفرقها في دول أخرى (الأردن)، ثم فشل حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة بعد أن كان في موقع سياسي متقدم من خلال رئاسة الحزب للحكومة هناك، وأخيرا في تونس حيث تم الانقلاب على حزب النهضة وانتهى الأمر بحل مجلس النواب الشرعي والزج بقيادات النهضة في السجون.
هذا الواقع الجديد لم يحدث في التاريخ الحديث. ففي أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تعرضت الحركات الإسلامية إلى ابتلاءات في بعض البلاد، ولكنها لم تطل معظم بلاد العرب فلم تمت الحركة وبقيت تتنفس من خلال تنظيماتها في دول أخرى.
وإزاء هذا الواقع الجديد طرحت أسئلة كثيرة، وقدمت مقترحات ومبادرات أيضا للخروج من المأزق. ومن ذلك الحل الاختياري، والذهاب بعيدا عن السياسة، والفصل بين الدعوي والسياسي.
وفي نفس الوقت طرح كثيرون أفكارا حول ضرورة المراجعات الفكرية والأسس التي قامت عليها تلك الحركات، وأهمية البحث عن بدائل لاستئناف المسيرة.
صحيح أن بعضها فعل ذلك كما في تونس و المغرب والاردن إلى حد ما، إلا أن ذلك لم يجدد الدماء في الحركات الإسلامية، ولم تتقدم خطوة واحدة ذات جدوى باتجاه تحقيق الهدف وهو استئناف المسيرة، أو على الأقل المحافظة على الذات دون الوقوع في براثن التشرذم والتفرق والاختلاف.
وتتردد في جلسات المهتمين بالحالة الإسلامية أسئلة كثيرة من مثل: أين القيادات التي يمكن أن تعيد لتلك الحركات حيويتها ونشاطها؟ هل القيادات الحالية عاجزة عن لم شمل أبناء الحركات الإسلامية، وإقناع الأتباع والمناصرين بأنها تعمل بجد وفاعلية لإنجاز ذلك الهدف؟ هل التحول من التنظيم إلى فكرة التيار العام مقبولة؟ هل ما زالت القيادات "الفاشلة" تحتكر المواقع دون إنجاز حقيقي؟ لماذا لا يصار إلى الدفع بالمفكرين و أصحاب الخبرات والتجارب من الشباب والكهول إلى المواقع القيادية و الاستشارية بدلا من القيادات التي تأتي وتذهب دون تقديم حلول حقيقية؟ لماذا تواجه المبادرات الاجتماعية والثقافية والفكرية وحتى السياسية صدودا من قبل القيادات التي فشلت في المحافظة على المكاسب العظيمة التي نالتها الحركات أثناء وبُعيد الربيع العربي؟؟
لماذا لا نشهد سعيا نحو الاستفادة من الطاقات الكثيرة المعطلة بسبب اختلافات بسيطة في الآراء والأفكار؟
لماذا الرفض المطلق لفكرة المراجعات العميقة للمناهج المستخدمة في التربية والتأطير وكذلك لطرائق العمل وأساليب الدعوة والعمل السياسي؟
لماذا يرفض إخوة الأمس العمل معا والتنسيق ورفض مبادرات توحيد الصفوف؟
هل الحرص على المواقع والمراكز والامتيازات هي الدوافع التي تمنع مجرد اللقاء والتوافق على بعض الأهداف التي يمكن أن تسهم في التقدم ولو ببطء نحو تحريك ماكينة العمل والنشاط؟
لماذا كلما تقدم مفكر محب أو سياسي محايد بمبادرة يتم الهجوم عليه أو إهماله؟
لماذا يرضى الأتباع بالبقاء في حالة الانتظار على قوارع الطرق دون مساهمات فعلية في التجديد والتطوير؟
لماذا يُنظر إلى من ملّ الانتظار وترك العمل على أنه من "المتساقطين على الطريق" رغم أن التنظيمات مشلولة دون عمل حقيقي؟
لماذا مازالت القيادات تغري القواعد بالبقاء وتعدها بمستقبل قريب أفضل من خلال منهج "الانتظار والتبيُن"؟
لماذا افتقدت القيادات روح المبادرة وفتح حوارات مع الأنظمة بدل الانتظار والقبول بما تمليه عليها الأنظمة من أعمال ومواقف حسب مصالحها فتكون بيدقا بأيدي تلك الأنظمة؟
لماذا تُشغل القيادات الأتباع بالدخول في معارك وهمية مع الآخر حتى ولو كان صديقا ناصحا أو أخا "مستقيلا" يقدم رأيا مخالفا للقيادات؟
لماذا يتم غرس فكرة التآمر من قبل الآخر على الحركات الإسلامية كلما فشلت في بلد أو موقف أو معركة وتغييب التفسير السنني للأحداث "قل هو من عند أنفسكم" ، والتفكر الحقيقي بالأخطاء التي ارتكبتها القيادات بسبب محدودية الخبرة واحتكار القرار في دوائر ضيقة والتبرم من كل مخالف؟