منذ الاحتلال عام 1967 وحتى عام 2018 لم تحظ القدس ولا المدينة المقدسة\القدس العتيقة باهتمام إسرائيلي لافت يجعلها فغلا قسمة أساس من قسمات مدينة القدس العاصمة السياسية رغم التغول والتوحش في مصادرة الأراضي وبناء العشرات من المستعمرات التي أحدثت فارقا ديموغرافيا هائلا نقل الوجود اليهودي في القدس المحتلة بعد عام 1967 بما في ذلك القدس العتيقة من صفر انسان الى ما يقارب 400 الف مستوطن وفقا لاحصائيات عام 2019.
في مايو\ايار من عام 2018 قررت حكومة نتنياهو مخططا حكوميا اطلقت عليه قرار حكومي رقم 3790 هَدَفَ الى تقليص الفجوات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية في شرقي المدينة بما في ذلك القدس العتيقة وقد علل البيان الحكومي آنذاك السبب المباشر لهذه السياسة الى تعمق الفجوات بين شقي المدينة ، باعتبارها مدينة موحدة ( وهو ما لم يشر اليه البيان الحكومي بصراحة ، ص\ل) وبسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تعتور ساكنة القسم الشرقي من المدينة الموحدة ( التي يتعبرونها العاصمة الأبدية لدولتهم .. ص،ل).
في هذه السلسة من المقالات سأتناول الابعاد الحقيقية والجوهرية لهذه السياسة وكيف تتنزل على الواقع المقدسي وما هي الاثار والتداعيات المتوقعة راهنا والمستقبلية على مدينة القدس وساكنتها عموما وعلى المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك تحديدا خاصة في ظل حكومة راهنة تعتقد بوجوب استغلال الظروف الموضوعية فلسطينيا وأقليميا ودوليا لتنفيذ سياسات السيطرة المطلقة المقننة مع توقيع اتفاقيات ابراهام وتخلي سلطة رام الله تقريبا عن المدينة المقدسة وااحياء التي صودرت والصمت العربي والإسلامي الذي يلف تلكم الدول حيال ما يجري في شرقي المدينة والمدينة المقدسة\البلدة القديمة ومساعي احتلالية حثيثة لرفع اعداد المقتحمين للمسجد الأقصى لتطبيع العين والقلب والنفس ضمن سياسات النفس الطويل لتحقيق الأهداف المتعلقة بالتهويد. .
بادي الامر ثمة أسباب تتعلق برسم الوجود الإسرائيلي في المدينة والذي اتخذ منذ قدوم نتنياهو وشراكاته مع اليمين على اختلاف درجات تشدده من القدس محطة أساس لتثبيت الرواية اليهودية وجعل القدس في قسمها الشرقي ومن ضمنها القدس العتيقة المشهد الحضاري الأساس لليهود ولليهودية برسم ان تاريخهم حدث في تلكم البقاع على جبل موريه ، سلوان والشيخ جراح ويؤكد هذا الذي أقول سلسلة القوانين والإجراءات التي اتخذتها مختلف الوزارات ذات الصلة في شرقي المدينة والدعم الهائل للمنظمات الدينية العاملة على تهويد الأرض\المكان والتاريخ " الزمان" في تلكم المناطق من مدينة القدس وهذا التوجه له صلة عميقة في الفلسفة السياسية المتبعة عند الأحزاب الدينية الصهيونية الشريكة في حكومات اليمين والتي تقود اليوم الحكومة الإسرائيلية أذ تعتبر الاستيطان في شرقي المدينة وسلوان والشيخ جراح والقدس العتيقة الضامن لبقائها السياسي وتوسعها انتخابيا وبشريا وذلك ضمن قراءات هذه القوى للتحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي في العشريات الثلاثة الأخيرة هذا من جهة ومن جهة أخرى ثمة علاقة بالهوية وتخلقاتها باعتبار ان مجتمعا تتخلق هويته على أساس من الدين ا يحتاج الى المشهدية " الحضارية " الماثلة امام الناس كتجليات للمقدس التوراتي الذي طالما عملت جماعات الهيكل على رسمه ورسم خرائطه وتصويره وهو يرون مشهديتهم الحضارية المتوقعة\المتخيلة والمتوهمة حاضرة في المسجد الأقصى المبارك الذي من الضرورة أن يتجلى تاليا في الهيكل الثالث والي تتقدمه راهنا الكنس العملاقة المنتشرة في عموم مدينة القدس وقد باتت بحكم ضخامتها تحيط بالمسجد الأقصى المبارك بحيث يراها الناس من مسافات بعيدة ، وهذا الهيكل المُعَدُّ له يقوم على تحضير ادواته ووسائله العشرات من الجمعيات والحركات الدينية ابتداء من الصخور التي سيتم بناء هيكلهم بها ومرورا بالبقرة الحمراء وانتهاء بالأواني التي ستكون في قلب المعبد فضلا عن الكهنة المكلفين بالأمر.
ثمة قضية ذات صلة تعود الى مسألة الهوية الجامعة لليهود المتواجدين على ارض فلسطين التاريخية وتتعاظم الحاجة الى هذه الهوية الجامعة مع تعمق الشرخ العقدي والمدني بين مكوناتهم الاثنية فهم قدموا الى فلسطين من اصقاع الأرض وكلُّ محملُّ بثقافات وقيم واخلاقيات مختلفة وقد راهن يوما المباي وقائده بن غوريون على ان يكون الجيش هو الهوية الجامعة التي في سياقاتها تتخلق هوية إسرائيلية(جديدة) جامعة لهذه المتناقضات الثقافية والسلوكية فكانت نظرية الصهر التي نادى بها بن غوريون وعُرِفت بكوور ههيتوخ أي فرن الصهر الذي في بوتقته يتم بناء الهوية الجديدة لكن شكلت حرب عام 1967 فارقا باعتبار الاعجاز الإلهي الذي حصل من إحضار جبل موريه اليهم كإيماءات الهية بضرورة التعجيل في بناء الهيكل وهو تصور استحوذ على التيار الديني الصهيوني قابلته علمانية صهيونية اعتبرت المسجد الأقصى فاتيكانا لا يستطيعون تحمله بل نادى بعضهم بإرجاعه الى الأردن متحسبين من انه سيكون لعنة قادمة على مشروعهم الصهيوني الذي لَّما يكتمل بعد ثم كانت حرب رمضان التي انهت ما اطلق عليه فرن الصهر للهوية الإسرائيلية الجامعة وبدأت رحلة العودة الى الدين لنصل الى راهننا المُعاش شاهدا على حجم الشقوق والشعبوية ومدى ما تعمق الهويات الاثنية الخاصة وتعمق الشرخ بين تلكم الاثنيات اليهودية فكانت الحاجة الى هوية جامعة من خلال اليهودية كدين وثقافة بما في ذلك ما تحمله هذه الثقافة من تاريخ محمل بمعتقدات الفوقية والنخبوية وانهم شعب الله المختار وان القدس عموما والقدس العتيقة والمسجد الأقصى هي الجامعة الموحدة لهم دينا وثقافة وتاريخا فعلى رباها كانت حركة الأنبياء وعلى ثراها تهدمت معابدهم وتم السبي البابلي والدياسبورا ، ومع قيام الدولة ورسوخها وتزز قوتها ووصولها الى مرحلة باتت جزءا من الفضاء الشرق اوسطي يعترف بها العرب فقد أضحت الحاجة ماسة لبناء معبد جامع معبر عن هوية جامعة ولو كان ذلك الى جانب المسجد الأقصى يوافق عليه دعاة الابراهامية الجديدة من حكام ومثقفين... وللقصة بقية