هل للأدب هوية؟ وهل يقبل ذلك التطويع والـتأطير والأدلجة في إطار هويّة محدّدة؟ وهل أقر النقد هذا الاصطلاح ليتموقع في معجمه النقدي مصطلحا معترفا به ؟ وماذا نقصد – تحديدا - بهوية الأدب؟ هل تتحدّد هوية الأدب بناء على الموضوع الذي يعالجه؟ أم تحددها اللغة ؟ أم تخضع لخيارات مفتوحة تقع على كل ما يصلح أن يكون هوية ؟
تناول الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889-1976) في كتابه "الفلسفة، الهوية والذات" مسألة الهوية وبين أن الهوية تشكل خاصية أساسية لكينونة الموجود، وأنه حيثما قمنا بعلاقة كيفما كانت مع موجود نجد أنفسنا بصدد نداء الهوية"
إذا الهوية ضرورة للكائن الوجودي باعتباره كائنا اجتماعيا تبنى حياته وفق ألية تنطلق من الانتماء المشترك، الذي يعالج مفاهيم الاختلاف، والتنوع ، والاستفسار، والانتماء المتبادل.
أما (فيشر) فقد أكد على المعايير التي تحدد هُويّة أدبٍ ما، ليختصرها في : 1. اللغة 2. السياسة 3. الموضوع 4. المكان. 5. 1.
عند تناول الأدب الفلسطيني عبر نشأته ومراحل تطوره، و دراسة أبرز خصائصه الموضوعية في إطارها الشمولي ؛ الأرض ، الإنسان ، الطبيعة ؛ بل كل ما ينسرد - نظريا - تحت مفهوم الموضوع الأدبي ؛ فإننا سنجد إن لهذا الأدب في كليه ارتباط بالقضية الوطنية، بل قد يتعدى ذلك الى التقولب في صورة غاية في الخصوصية باعتباره أدباً مقاوماً في الوطن والمنفى ، وسنجد في منتجه كل هذا التنوع المنسرد تحت ذلك العنوان المميز لهويته : صورة الآخر، وصورة اللاجئ، وحضور الشهيد، وأدب المعتقلات، وتجليات القدس والهوية وغيرها. وحتى إننا لنجد ذلك عند دراسة خصائصه الفنية مثل: بنية القصيدة ومراحل تطورها؛ يقول د. جريس نعيم خوري: "إنّ الأدب الفلسطينيّ بعد نكبة 1948، هو أدب الهويّة بلا أدنى شكّ، وقد استطاع في هذا المجال أن يبرز الهويّة الفلسطينيّة، ويفرزها ويميّزها، ويساهم في إيصال القضية الفلسطينيّة إلى المحافل العالميّة ربّما أكثر ممّا استطاعت السياسة نفسها أن تفعل ذلك"، ويضيف خوري في مقدمة كتابه "هوية الأدب وأدب الهوية-دراسات في الفولكلور والأدب الفلسطيني"، الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان-رام الله، "أن من يتابع تطوّر الفكر الفلسطينيّ منذ بدايات القرن العشرين إلى يومنا هذا، يجد أنّه على الدوام ارتبط بهاجس البحث عن الهويّة، وبلورة السمات المتمايزة للشعب الفلسطينيّ، والحفاظ على التراث الفلسطينيّ الخاصّ بشقّيه الرسميّ والشعبيّ، كنوع من الصراع الغريزيّ على البقاء".
وعلى الرغم من أن الأدب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الأدب العربي الحديث،باعتبار الجغرافيا واللغة وربما الدين أيضا ، بل لعله أي الأدب الفلسطيني قد لعب دورا هاما في كافة التجارب الفكرية والسياسية والفنية التي شهدتها العواصم لاعربية من بدايات القرن الماضي حتى اللحظة. إلا أنه ومنذ عقد الخمسينات بوجه خاص" تميّز باختلافات بيّنة في بعض النواحي، خاصة في علاقته بالمكان والزمان، وفي لهجة الخطاب والاتجاهات، وفي انشغاله الخاص بالقضية السياسية السائدة." ومن هنا يمكن القول إن الأدب الفلسطيني قد خط له طريقا انفرد بها ومثلت له هوية كان الأساس المشكل لها سياسية ؛ أما التفاصيل فقد جلّتها المصطلحات الادبية المرافقة له ؛ كالأدب المقاتل ، والأدب المقاوم ، وادب الشتات والنكبة والعودة ، والثورة ، والسياسي والكفاحي . وهذا لا يلغي حقيقة وجود ادب متحرر من هذا الالتزام ليغرد في مسارات بعيدة أو معاندة لا تخضع لمفهوم الهوية الذي حددناه .