تتمركز مضامين هذا الأدب على : المقاومة ،والفداء، والصمود، والتحدي، والتمسك بالارض. وقد تتداخل معه مضامين أخرى تنضوي تحته -أحيانا- و قد تسير معه بشكل متوازن أحيانا أخرى؛ كأدب الأسر والسجون، وأدب العودة واللجوء والمنفى والاغتراب.
وهذا الأدب لا يقتصر على الفنون الأدبية والشعرية بل يتعداه إلى الريشة والصورة والجدارية والسينما والأغنية.
ومع أن الأدب المقاوم كان رافعة لمشاهير شعراء فلسطين أمثال درويش إلا أنه - أيضا- شكل لهم عائقا حقيقيا أمام طموحات صنعتها رؤى السياسة العالمية، وما فرضته السياسة الامريكية – تحديدا- بعد ( أحداث أيلول) من تصوير كل حدث مقاوم على أنه إرهاب بشع مرفوض لا يجوز التغني به ؛ فكتب درويش مع بداية التسعينات " حالة حصار" والتي شكلت دوافعه نسمة جديدة مثلت تمردا درويشيا على درويش المقاوم، ومحاولة حيية للخروج من الجمعي إلى الذاتي تحت دائرة ما بيناه .
و مع أن الديوان حوى حديثا عن الشهداء والبطولة والمقاومة، إلا أنه لم يخف ذلك الهاجس الخفي الذي وقف معه درويش الضمني باحثا عن مخرج مثله المفهوم الدلالي "لحالة حصار" الديوان؛ فالحصار -هنا- لم يكن حصار غزة أو الضفة، كلا لم يكن حصارا عسكريا بل حصارا نقديا حرم درويش من انعتاق تمناه .
طبعا، لم يكن هذا هو السبب الوحيد لملمة درويش ورغبته في تفكيك هذا الحصار؛ بل كان للجانب الفني أي مفهوم الجمالية والتخوف من أن يكون الموضوعي على حساب الجمالي عامل آخر، حركته الرغبة الشاعرية في إظهار ذاتها ؛صحيح أن "حالة حصار " مستوحاة من الانتفاضة الثانية وهي تحفل بمفردات الموت والحصار ، ولكن المقطوعات لا تخلو من هاجس درويش الفني "
نرى ذلك بوضوح في إحدى مقاطع المجموعة الشعرية:
إلى ناقد: لا تفسر كلامي
بملعقة الشاي أو بفخاخ الطيور!
يحاصرني في المنام كلامي،
كلامي الذي لم أقله،
ويكتبني ثم يتركني باحثاً
عن بقايا منامي...
هذا القلق الفني والتخوف من انحسار النص في قيمه المضمونية عبر أدلجة القصيدة وفق مفهوم الالتزام هو ما دفع درويش إلى هذه الصرخة؛ لكن القضية ليست عنادية بهذا الكيف فما كل أدب مقاوم فاقد لجمالية الشكل ولا كل جمال فاقد لوظيفة الفكر المهندس فنيا في ثوب شاعري .
على المستوى النقدي شكلت كتابات كنفاني مدخلا رياديا في الكشف والتعريف بأدب المقاومة سيما كتابيه أدب المقاومة في فلسطين المحتلة الذي نشر عام ١٩٦٦م ،والأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال عام ١٩٦٨م.
تناول كنفاني في كتابه الأول ثلاثة فصول ،أدب المقاومة بعد الكارثة ثم البطل العربي في الرواية الصهيونية ثم نماذج من الشعر ،لكن روايات كنفاني جعلت الأدب ابمقاوم واقعا لا نظريا خصوصا روايته عائد إلى حيفا التي تمثل أبلغ ما يمكن أن يمثله أدب العودة الذي نتناوله في هذه القراءة ، بعد الثمنينات أصبح الأدب المقاوم ومعه أدب العودة مصطلحات متعارف عليها في المؤسسات الأكاديمية؛ حيث عقد تحت هذين العنوانين عدة مؤتمرات ، وانجزت عدة دراسات بما في ذلك رساىل دكتوراة وماجستير.
شعريا قد تكون البدايات الحقيقية لشعر المقاومة الفلسطينية قد بدا قبل النكبة فقد عبر الشعراء الرواد، ومنهم عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وطوقان و عبدالرحيم محمزد وكتاب القصة القصيرة، ومنهم سميرة عزام، والروائيون ومنهم غسان كنفاني مؤخرا ، عن حلم العودة. طبعاً يجب ألاّ ننسى دواوين هارون هاشم رشيد ابن غزة. كان هؤلاء الأدباء عبروا عن حق الفلسطيني بالعودة، وقد برز هذا واضحاً في عناوين دواوينهم وعناوين قصائدهم (عائدون، سنعود، عودة الغرباء، مع العائدين) أو حتى في متن نصوصهم، كما في قصة سميرة عزام "لأنه يحبهم"، وفي رواية كنفاني "رجال في الشمس"، ولقد قتل كنفاني أبطال روايته، لأنه رأى أن حل مشكلة الفلسطينيين في المنافي لا يكون بالابتعاد عن فلسطين، بل بالعودة إليها، ولكن تلك الكتابة كانت عن حلم العودة، ومات الشعراء والقاصون والروائيون قبل أن يتحقق لهم ذلك الحلم، ولما أنجز اتفاق (أوسلو) تحقق الحلم جزئياً، وكان أن عاد بعض الأدباء، فعبروا عن تجربتهم، وكانوا يدركون جيداً أنها عودة ناقصة، وأعتقد أن النصوص التي كتبوها هي جزء يسير من كتابات أدب العودة التي بدأت بالضبط منذ الخروج الفلسطيني الكبير في 1948، وظلت تتواصل حتى اللحظة.
وعن حلم العودة لنا أن نقرا لجبرا ابراهيم جبرا وروايته "صيّادون في شارع ضيق" (1960)، و"السفينة" (1970) و"البحث عن وليد مسعود" (1978). إن من يتتبع شخصيات جميل فران ووديع عساف ووليد مسعود فسيرى أن حلم العودة ظل يراودها. طبعاً لا أنسى روايات كنفاني وعناوينها الدالة، بخاصة رواية "عائد إلى حيفا".