مدخل:
هل يشترطُ في كلِّ دراسةٍ نقديةٍ جادة أنْ تحدِّد- أولاً- دلالةَ العنوان اصطلاحيا؟وتبينَ شرعيته التي تربطه بالمضمون ارتباطا عضويا ملزماً؟
أم أن العنوان- في حد ذاته- وثيقة تفاهمية بين الكاتب و قارئه، تحمل قيمة دلالية يختارها الكاتب محددا بها رؤية لا تلزم غيره،وتسمح لفهم مغاير يحدده القارئ الفاعل ؛فتتحطم الدلالة الاصطلاحية وتتحول إلى دلالة لغوية متعددة الوجوه؟
أم أنَّها وإن لمْ تصل إلى الحدِّ التوافقي- اصطلاحاً - ستبقى ملزمةً بمفهوم اصطلاحيٍ خاص- وفق رؤية الكاتب /المستخدم -بحيث تمنح مستخدمها فرصة للتعبيرعن رأيهِ في قضيةٍ يشكِّلُ العنوانُ فكرتها الرئيسية؟
ومع أن مصطلح "اللجوء" قد أصبح واحدًا من أكثر المصطلحات رواجًا في العصر الحديث، ومن أكثر المصطلحات الاجتماعية والسياسية والنقدية تداولًا بين النقاد والباحثين والمفكرين [1]
إلَّا أنَّ الحديثَ عنْ أدبِ اللجوءِ- باعتباره مصطلحاً أدبيا- يحتاجُ إلى قراءةٍ أكثر رويةٍ لتفكيكِ جملة مِن الاشتباكات الاصطلاحية التي تداخلتْ معهُ في غمرةِ الدراساتِ الكثيرةِ- في آدابنا العربية- منذ النكبة الأولى- في فلسطينِ المحتلةِ- حتى نكبات ما بعد الربيع العربي وما تخلَّلها من موجاتِ تشريدٍ وتهجير.
أهو أدبُ اللجوءِ إذا ؟ أم أدبُ المهجرِ ؟ أم أدبُ الشتات ؟ أم المنفى؟
تلك قضية جدلية قد تحتاج إلى قراءات نقدية جادةٍ لتحديد مفهوم لم يستقر بعد – مع كثرة الدراسات الجادة التي تناولته – وإعطائه صفة موضوعية تشرعن له عبورا طبيعيا لساحات التشكيل الأدبي.غير إن اشكالية الحسم ستبقى عصية مما يجعل مهمة الناقد أكثر صعوبة، ليقف معاندا أمام توافق خالص على توصيفات اصطلاحية؛ فما كل ما عهد استعماله صار اصطلاحا مقبولا في راي النقد والنقاد.
ولد مصطلحُ اللجوءِ - فلسطينيا- مع نكبةِ فلسطينِ الأولى،وقد وُلد مَعهُ - أيضاً – مُصطلَحاً أكثرَ مباشرةً هو " النكبة"وإن شئت فقل (أدب النكبة).
منطقيا قد يكون أدب النكبة قد شكل معبرا لظهور أدبِ اللجوءِ وكلاهُما مثَّلا خصوصيةً للأدب الفلسطيني المعاصر.أدب النكبة أدب تقريري في أكثرهِ وقد كان لكنفاني وجبرا فضل السبقِ في تناول قضايا ما بعد النكبة ،ثم جاء دور درويش وصحبه من أدباء اليسار فأكملوا المشوار.ومع أدب النكبة- بل قبله- ولد أدب المقاومة وهو أدب ولد في الداخل الفلسطيني ثم أكمل مشواره في الشتات} {.
الأدب المقاوم:أدب انساني تجده عند كل أمة وقعت تحت ظلم طويل، فتشرنقت مشاعرها وأحاسيسها لرفضه والتمرد عليه ؛ولأن فلسطين بقيت تحت الاحتلال؛فإن الأدب المقاوم سيظل موضوع الأدب الفلسطيني الأبرز مع إمكانية وجود قضايا ادبية أخرى تزاحمه.
وتتمركزُ مضامين هذا الأدب على : المقاومة والفداء والصمود والتحدي والتمسك بالارض، وقد تتداخل معه مضامين أخرى تنضوي تحته- أحيانا- و قد تسيرُ معهُ بشكل متوازن- أحيانا اخرى - كادبِ الأسرِ والسجون، وأدب العودة واللجوء والمنفى والاغتراب.
ومع بداياتِ إخفاق الربيعِ العربيِّ، وانكسار شوكة الشعوبِ، وانحطامها تحت سيف التآمر العالمي الجديد، وتغول الثورات المضادة وتنمرها باتت فكرة "اللجوء" وواقعه جزءًا من نسيج الحياة الثقافية والاجتماعية العربية؛ ففاضت دول الجيران بالمشردين اللاجئين، وكان حظ تركيا ثم أوروبا الأكثر في هذه الموجة الجديدة من التشريد.