ومنذ ان قامت إسرائيل اعتمدت في صسرورات وجودها على ثلاثة أسس استراتيجة ، تطوير قواها الذاتية ، ويهود الشتات ودولة عظمى ومنذ نشوء الحركة الصهيونية والى هذه اللحظات اعتمدت الصهيونية ومن ثم إسرائيل على قزى عالمية وواضح ان الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجيا ومنذ عام 1987 منحت واشنطن إسرائيل مكانة مشارك في حلف الناتو ومنذ عهد أوباما أضحت إسرائيل حليفاً استراتيجيا من الدرجة الأولى ولذلك اقرت حكومة أوباما قرارات ذات شأن تتعلق بالشرق الأوسط ومستقبل العلاقة مع المنطقة بما في ذلك إسرائيل ومن اهم هذه القرارات دمج إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط ولتحقيق هذه السياسات ثمة عمليات استوجب تنفيذها بدءاً من التأكيد على الامن المطلق لإسرائيل وانها تحت الحماية الامريكية ومسألة وجودها والمس به مسألة امنية عليا أوروبيا وامريكيا وهذه الرسائل وصلت الى زعامات العرب على اختلاف مشاربهم وحكمهم ومروراً باجهاض متعمد ومدروس لمحاولة الامة العربية خاصة منطقتي مصر والشام من الخروج من كماشة العبودية والاستبداد وهذا الاجهاظ الدموي رافقه تعزيز مطلق لحالتي التشرذم والاستبداد وتخليق جسور تؤدي الى تعاون بين هذه الأنظمة وإسرائيل برسم المصالح ومكافحة الإرهاب الذي في حقيقته تعبير عن مكافحة الإسلام الحركي الرافض للظلم والظالمين والمستبدين واستبداله باسلام سلطوي صوفي-سلفي- اشعري خنوع وفي هذا السياق ، سياق الدورة الدموية وإعادة هندسة الانسان العربي المسلم تخلقت في الوسط الإسرائيلي بشقيه الصهيوني المتعلمن واليهودي بكل مدارسه مجموعات اكاديمية وحرفية همها الوصول الى المسجد الأقصى وتثبيت الوجود اليهودي ليس كحالة احتلال عابرة بل كوجود مقبول يتماشى مع التحولات الجارية في منطقتنا ومن نافلة القول الإشارة الى ظاهرة محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كبيان لهذه الحالة السائلة في عالم الحكام العرب في هذه المرحلة التاريخية من حاضر الامتين العربية والإسلامية .
بايدن يكمل المسيرة..
تعتبر زيارة بايدن الأخيرة للمنطقة واستهلالها بأسرائيل تكملة لمسيرة من سلفوه من الديموقراطيين (أوباما) والجمهوريين ( طرامب) التأكيد على حيوية إسرائيل الوجودية في المنطقة والزام العرب بقبولها كشريك استراتيجي هام وامين والمهم في هذه الزيارة ودلالاتها خاصة تبعات خطاباته في الداخل الإسرائيلي هو إقراره بانتقال إسرائيل من طورها الصهيوني الى ما بعد الصهيوني ليس بمعنى ما ذهب اليه بعضٌ من المؤرخين " الإسرائيليون الجدد" من إعادة النظر في مسيرة الصهيونية وتحقيق المراجعات بل الانتقال مجتمعياً من طور الصهيونية العلمانية الى الصهيونية الدينية والصهيونية الدينية ومن ثم الحاريدية وكل ما ذكرت بات يشكل الناظم للحيوات السياسية والاجتماعية في الداخل الإسرائيلي ومن متضمنات هذه المرحلة الانتقالية تثبيت ثلاثة قضايا تتعلق بالقدس والاقصى عملَ بايدن عبر تصريحاته المختلفة على تأكيدها اما صراحةً او مواربة ، القدس عاصمة لإسرائيل وهو ما يعني بالضرورة ان لا حل للقضية الفلسطينية على أساس من ان القدس الشرقية ( وليس أبا ديس ) عاصمة لهم هذا فضلاً عن ان المستوطنات وتمددها حالت وستحول مستقبلاً دون قيام الدولة الفلسطينية ، وان القدس موروث تاريخي مقدس وهو ما يعني بالضرورة ان المسجد الأقصى الذي هو مقدس للمسلمين هو كذلك مقدس لليهود ويتطلب هذا تنازلات من العرب . وبما ان واشنطن حامية لإسرائيل كما الأنظمة العربية فبالضرورة الاستجابة للمطالب الإسرائيلية ذات الصلة بالقدس عموماً والاقصى خصوصاً خاصة وان مطالبهم كما تصرح قياداتهم من تيارات الدينية الصهيونية انهم لن يمسوا الأماكن المقدسة المبنية كالمسجد القبلي وقبة الصخرة وغيرها من المصليات وان حق إسرائيل بالحياة حق مقدس واحترام رموزهم الدينية والوطنية واجب أخلاقي للأمم الأخرى والمقصود العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص وهو ما يعني بالضرورة التنازل عن شيء من الرموز الوطنية والمقدسة للفلسطينيين.
إنَّ الوصول الى هذه المرحلة من زيارة بايدن التاريخية التي جاءت في ظلال التعثر السياسي الإسرائيلي تؤكد ان علاقات واشنطن بتل ابيب ليست مرتبطة بالسياقات السياسية بل بقيم عقدية جامعة ومُثُلٌ تتجاوز الأحوال السياسية وادواتها من شخصيات وأحزاب . ومن اجل هذه اللحظة المهمة في التاريخ الاحلالي الإسرائيلي عملت إسرائيل منذ اكثر من عقد موصلة الليل بالنهار لشرعنة وجودها عملياً وقانونياً في القسم المحتل من المدينة منذ عام 1967.
منذ عام 2010 شرعت إسرائيل بالاهتمام في القسم الشرقي من مدينة القدس أي المحتل منذ عام 1967 ويشمل ذلك البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك .
بين سنزات 2010 و2013 عمل الاحتلال على توصيف وتفكيك شرقي المدينة جغرافياً وديموغرافيا وتشغيلياً وسياساً ومن ثم سعت بين سنوات 2013 وحتى 2019 سعت للعمل على تنظيم سياسات ومخططات هدفها تغلغل المؤسسة الإسرائيلية على اختلاف اذرعها ابتداء من البلدية وحتى الوزارات المختلفة في مفاصل الشأن المقدسي بما في ذلك قضايا التعليم والعمل واستيعاب الطلاب والطالبات المقدسيات في التعليم العالي والمهني لدمجهم في الحياة العامة للمدين ةباعتبارها وفقا لهذه السياسات هي العاصمة الأبدية لإسرائيل وشكل اعتراف طرامب في أواخر عام 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل جزءأ أساس من المخطط الذي رسمه الديموقراطيون لدمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط والاعتراف بالقدس عاصمة لها وجعل المسجد الأقصى محل حديث وتجاذبات بين العرب واليهود تفضي في نهاية المطاف الى تحقيق ما يريدونه على أساس من هدى سياسات النفس الطويل الذي يتمتعون به ظاهراً.
البوابة الاقتصادية جسر للتطبيع والقبول ..
راهنت المؤسسة الإسرائيلية على الاقتصاد وتحسين الظرف المعيشي للمقدسيين من اجل تثبيت وجودها واعتراف المقدسيين بها ككيان شرعي مقبول لديهم وهذه المراهنة ترافقت مع مجموعة من العوامل النفسية ذات الصلة بالحال الوجودي للإنسان الفلسطيني فلأحداث سوريا التي روعت الناس وأهلتهم استغلتها المؤسسة الإسرائيلية لاجراء مقاربات ومقارنات بينها وبين نظام طالما زعم انه نصير للفلسطينيين واستغلت حالة الفساد المستشرية في السلطة الفلسطينية واثار هذا الفساد السلطوي على المدينة المقدسة واستغلت تفكيك المجتمع المقدسي الذي عملت عليه مجتمعيا واقتصاديا واستغلت الجغرافيا-السياسية لتحقيق مأربها كبناء جدار العزل العنصري ومصادرة هويات من يسكنون خارج المدينة وقد شرعت بسياسات التفكيك العضوي للمجتمع المقدسي مباشرة بعد الاحتلال عام 1967 واخيراً راهنت على الأجيال الفلسطينية المقدسية التي قاربت الحياة الغربية في القسم الغربي من مدينة القدس وهذا كله استثمرته للدفع نحو تمكين وجودها العيني المُشاهَدْ في المسجد الأقصى المُبارك مستعملة سياسة العصا والجزرة والضغط والانفراج والتواصل والاقصاء مع المقدسيين الذين لهم عميق علاقة بالمسجد الأقصى المبارك واخضعت المئات منهم للابعاد القسري وارهقت العديد منهم بالتحقيقات والدعوات المستمرة للتحقيق بل وعملت على تضييق النطاق على ارزاق من لهم صلة بالاحتجاجات ورفض الوجود الاحتلالي الإسرائيلي أي كان نوعه في المسجد ورحابه الطاهرة .
صالح لطفي ... باحث ومحلل سياسي...