*بدراسة الملابسات التاريخية التي أحاطت بهذه الجولات فيمكن القول بأنها كانت مدفوعة بثلاثة أسباب رئيسة:*
*الأول:* حاجة قيادة سلطة أوسلو إلى تدعيم موقفها الشعبي أو تدعيم موقفها في مواجهة ضغوط خارجية: وهذا كان واضحاً في وثيقة الأسرى 2006 عقب خسارة الانتخابات، ومحادثات القاهرة 2009 عفب حرب غزة الأولى، وفي محادثات القاهرة 2012 عقب حرب غزة الثانية، وفي 9/2014 عقب حرب غزة الثالثة وفي حوارات 2020 في مواجهة صفقة القرن ثم في اجتماع الأمناء العامين في 9-2020، أي أنه كان دافعاً أساسياً لقيادة السلطة في 6 جولات محادثات خمسة منها كانت بعد حروب أو نتيجة تهديد خارجي.
*الثاني:* حاجة حـ.ـركـ.ـة حـ.ـمـ.ـ!س إلى تخفيف وطأة الحصار الدولي عليها أو تخفيف وطأة التعطيل أو الملاحقة التي تمارسها قيادة السلطة وأجهزتها وهذا كان حاضراً في اتفاق حكومة الوحدة الوطنية 9-2006 وفي اتفاق مكة 2-2007 وفي إعلان صنعاء 3-2008 واتفاق الشاطئ 4-2014 واتفاق القاهرة 10-2017 وجولتي المصالحة في 2020 وهو حاضر بعد طوفان الأقصى في محادثات موسكو 2-2024 وبكين 2024، أي أنه كان دافعاً أساسياً لحركة حمـ.ـ!س في 9 من جولات المصالحة.
*الثالث:* لاعتبار سياسي عند البلد المضيف: وهذا كان حاضراً في جولة موسكو 2019 حيث أرادت روسيا تكريس حضورها ونفوذها في مواجهة محاولة ترامب لترسم المنطقة وفق رؤيته، وفي محادثات الجزائر 2022 حيث كانت استضافة جولة المصالحة حاجة سياسية للسلطة الجديدة المنتخبة، أي أن هذا الاعتبار كان دافعاً أساسياً في اثنتين من جولات المصالحة.
مع بقاء الاعتبارات الثلاثة حاضرة بنسب متفاوتة في جميع الجولات، لكن ما يقرر جعله أساسياً هو أن يكون السبب الفعلي لانعقاد الجولة المقصودة.
*السمة العامة لنتائج الجولات* أنها كانت تخرج باتفاقات حول تحديد موعد لانتخابات تشريعية ورئاسية في السلطة (4 مرات)، أو لتسليم الصلاحيات الأمنية على المعابر في غزة أو تسليم الصلاحيات الإدارية فيها لقيادة السلطة (4 مرات)، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية للسلطة (مرتين)، أو على تشكيل إطار قيادي مؤقت بديلاً لإصلاح منظمة التحرير (مرة واحدة) أو على انعقاد اجتماع الأمناء العامين (مرة واحدة).
في المحصلة كانت السلطة وهيكلها السياسي والأمني والإداري موضوع الاتفاق المعلن في 10 حالات، وكانت الحالة القيادية الفلسطينية في الإجمال موضوع الاتفاق في مرتين فقط، ولم تكن استراتيجية إدارة الصراع مع الاحتلال محل نقاش سوى لمرة واحدة فقط في اجتماع الأمناء العامين ضمن الكلمات ودون الوصول إلى أي اتفاقٍ بشأنها حتى فيما يتعلق بالمـ.ـقـ.ـاومة الشعبية باعتبارها الحد الأدنى المتفق عليه.
باختصار، تمكنت قيادة السلطة -مستفيدة من الاعتراف الدولي المشروط- في حصر الصراع في بعده السلطوي في عشر من هذه الجولات، فكانت هذه الجولات في المحصلة تصب في خانة تعويمها سياسياً وإخراجها من المآزق الداخلية خصوصاً بعد الحروب والمواجهات التي تكون فيها عملياً خارج التفاوض على وقف إطلاق النار، كما أنها تعيد إنتاج الخلاف بالشكل المفضل لقيادة السلطة باعتباره صراعاً على السلطة ومكتسباتها وليس خلافاً على النهج في مواجهة الاحتلال.
في المقابل تمكنت حـ.ـمـ.ـ!س من إدخال موضوع قيادة الشعب الفلسطيني بالإجمال مرتين فقط إلى نتائج جولات التفاوض، ولم تنجح في فرض اتفاق حول الخيار الاستراتيجي في مواجهة المحتل ولا مرة، رغم أنه الموضوع الفعلي والمركزي للانقسام الفلسطيني الذي يبدأ التاريخ الحقيقي له من وثيقة النقاط العشر وتبني فكرة المرحلية كمقدمة للتفاوض في عام 1974.
ما تمكنت حـ.ـمـ.ـ!س من الحصول عليه بعد جولات التفاوض في أحسن الأحوال كان كسباً لفسحة من الوقت بعد كل جولة تخف فيها أعباء الحصار الخارجي كما حصل بشكلٍ ملحوظ في 5 من جولات المصالحة، أو تخفيف لوطأة ملاحقة أجهزة دايتون لأعضائها في الضفة الغربية كما حصل في 5 جولات كذلك.
باختصار كانت المصالحة وسيلة للتعويم السياسي واستعادة المشروعية والدور من جهة قيادة السلطة، وتكتيكاً لتخفيف الحصار الدولي والملاحقة الأمنية من جهة حركة حـ.ـمـ.! س؛ لكن السؤال الذي كان يتكرر مع كل جولة من الجولات التي زادت عن 23 على مدى 19 عاماً هو إلى متى تستمر هذه الدوامة العبثية؟ واليوم وبعد طوفان الأقصى ألم يحن الوقت للخروج من
خيارات التكتيك وتبني خط استراتيجي يعيد الاعتبار للمـ.ـقـ.ـاومة بوصفها الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي ينبغي أن تعرف الوحدة على أساسه؟